والقائل بعدم الوجوب عليه الدليل الموجب لتخصيص ما قدمنا من القرآن والسنة المبينين بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وكان طوافه صلى الله عليه وسلم داخل المسجد خارج الحجر وهذا يكفي في الاستدلال على هذه الصفة مع ما يفيده ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من الحديث الثابت في الصحيحين [البخاري "٨/١٧٠"، مسلم "٣٩٩/١٣٣٣"] ، وغيرهما [أحمد "٦/١٧٦، ١٧٧"، النسائي "٥/٢١٤، ٢١٥"] ، أنه قال:"الحجر من البيت".
قوله:"على طهارة".
أقول: إنما يثبت وجوب هذه الطهارة إذا ثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم طاف طاهرا أي متوضئا وضوء الصلاة أو أمر الطائفين بذلك ولا يدل على هذا الوجوب منعه صلى الله عليه وسلم للحائض ان تطوف بالبيت فإن المانع من ذلك إنما هو حيضها فلا يدل الا على ان الحائض ممنوعة من البيت بل فيه ما يفيد عدم وجوب كون الطواف على طهارة لأنه لم يأمرها الا بانتظار انقطاع حيضها ولم يأمرها بأن تتوضأ للطواف وهكذا لا يدل على ذلك حديث: "الطواف بالبيت صلاة" فإنه ليس المراد انه كالصلاة في جميع أحكامه التي من جملتها الطهارة فإنه لم يقع فيه شيء من أركانها ولا من أذكارها فكيف يستدل به على وجوب ما هو خارج عنها وهو الطهارة وأما الاستدلال بكون آخر الطواف ركعتي الطواف وهما لا يصحان الا من متطهر فهذا الاستدلال إنما يتم على تقدير وجوب الموالاة بين الركعتين وبين الطواف بحيث لا يفصل بينهما فاصل يتسع للطهارة ولم يرد ما يدل على هذا الا ان يقال إنه صلى الله عليه وسلم وإلي بينهما فدل ذلك على انه طاف متوضئ نعم قد ثبت من حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما ان أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة انه توضأ ثم طاف بالبيت فهذا هو الدليل على وجوب كون الطواف على طهارة وقد تقرر ان الأصل في كل أفعاله في الحج الوجوب.
وأما كونه يجزى طواف زائل العقل لذلك للعذر العارض له لا سيما من استمر عليه ذلك كمن غلبه المرض وخشي ان يفوته الطواف وليس هذا بمناقض لما تقدم من إيجاب الطهارة فللأعذار حكمها.
وأما قوله:"ولو محمولا أو لابسا أو راكبا غصبا". فلا شك ان لابس المغصوب أو راكب المغصوب قد اثم اثم فاعل الحرام وأما كون هذا يبطل به الطواف فيحتاج إلي دليل يدل عليه.
قوله:"وهو من الحجر الاسود ندبا".
أقول: قد عرفناك غير مرة ان افعاله صلى الله عليه وسلم في الحج محمولة على الوجوب لانها بيان لمجمل قوله تعالي: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عمران: ٩٧] ، ولمجمل قوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني مناسككم" وفي الطواف خاصة لمجمل قوله تعالي: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: ٢٩] ، وقد صح انه صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة اتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا وهكذا يجب التسبيع للطواف كما وردت بذلك الاحاديث الكثيرة الصحيحة وهي بيان لمجمل القرآن والسنة كما عرفت وهكذا التوالي بين الاشواط على الحد الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل هذه الأفعال فريضة على كل من يحج البيت.