وأما قوله غير ما طلقت فيها فوجهه ان هذه التي طلقت وهي فيها هي بعض حيضة لا حيضة كاملة والاعتبار بالحيضة الكاملة ليصدق قوله سبحانه:{ثَلاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨] .
وأما قوله:"أو وقعت تحت زوج جهلا" فوجهه أن الله سبحانه أوجب عليها أن تعتد بثلاثة قروء في غير نكاح وهذه وقعت حيضتها وهي في نكاح زوج اخر وإن لم يكن نكاحا صحيحا لكن كان الجهل فارقا بينه وبين الزنا.
قوله:"فإن انقطع ولو من قبل تربصت حتى يعود" الخ.
أقول: هذه المسألة قد اضطربت فيها الاقوال وتفرقت فيها المذاهب وسبب ذلك ان الله سبحانه بين في كتابه العزيز اقسام المعتدات فجعلهن اربعا الحائض والحامل والتي لم تحض اصلا والايسة وهذه التي انقطع حيضها بالعلة ليست واحدة منهن ولم يثبت في السنة المطهرة ما يدل على عدة هذه وكل مسألة لم يوجد عليها النص ولا الظاهر في الكتاب ولا في السنة كانت عرضة لاراء الرجال وموطنا لاختلاف الاقوال.
وقد حاول بعض أهل العلم إدراج هذه تحت الايسة فلم يصب فإن معنى الاياس عن الحيض لم يحصل لهذه لأنه انقطع حيضها وهي في وقت إمكانه فإن قدرنا أنه حصل الاياس من عود الحيض فهي ايسة ولكن حصول الاياس لها بعيد جدا فإن اسباب انقطاع الحيض كثيرة كما صرح بذلك الحكماء في تصانيفهم في العلل وأسبابها. والحاصل ان اليأس إن كان كما ذكر كثير من المحققين إنه هو المقابل للرجاء والطمع كان المعتبر في حق هذه هو عدم وجود الرجاء منها لرجوع الحيض وعدم طمعها في عوده فإذا حصل لها ذلك كانت مندرجة تحت قوله سبحانه:{وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ}[الطلاق: ٤] .
وأما إذا كان اليأس هو القطع بعدم العود فلا تندرج تحت هذه الايسات الا بعد حصول القطع لها بعد معاودة الحيض.
والموجود في كتب اللغة أن اليأس القنوط فإن تقرر ثبوت حقيقة شرعية للياس كانت مقدمة وإن لم يتقرر ذلك كان الرجوع إلي المعنى اللغوي هو المتوجه.
ولا يقدح في وجوب الرجوع إلي المعنى اللغوي ورود الاستعمال في الكتاب أو السنة للياس بمعنى عدم مجرد الطمع في الحال فإن ذلك يكون مجازا أما إذا كثر الاستعمال حتى صار مفيدا لكونه الحقيقة الشرعية فهو مقدم كما تقدم.
وإذا عرفت هذا فها هنا بحث آخر ينبغي ان تمعن النظر فيه وتتدبره وهو ان هذه التي انقطع حيضها قبل عدتها أو حال عدتها مندرجة تحت قوله:{وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} فإنها يصدق عليها عند هذا الانقطاع انها من اللائي لم يحضن فتكون عدتها كعدتهن وليس في الآية ما يدل على أن المراد انهن لم يحضن اصلا بل المراد عدم وجود الحيض عند العدة كما تقول من لم يأتك