العمومين بقصر الآية الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالايسة والصغيرة قبلها ولم يهملوا ما تنأولته من العموم فعملوا بها وبالتي قبلها في حق المتوفى عنها ولكن قد جاء ها هنا ما يوجب ترك هذا التعارض وعدم الاشتغال بشأنه وهو ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ام سلمة ان امرأة من اسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها فتوفي عنها وهي حامل فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت ان تنكحه فقال والله ما يصلح ان تنكحي حتى تعتدي آخر الاجلين فمكثت قريبا من عشر ليال ثم نفست ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"انكحي" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث سبيعة نفسها بمعناه.
وفي الباب أحاديث وآثار عن الصحابة فلم يبق بيد من قال تعتد بآخر الاجلين ما يوجب الاشتغال به لأن هذه الأدلة قد بينت أوضح بيان ودلت اظهر دلالة على ان الاعتبار بوضع الحمل وان قوله عز وجل:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}[البقرة: ٢٣٤] ، خاص بغير الحوامل.
قوله:"ولا سكنى".
أقول: الايات التي فيها ذكر السكنى كقوله تعالي: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}[الطلاق: ٦] ، وقوله:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}[الطلاق: ١] , ظاهر السياق فيها اختصاصها بالرجعيات فلا ينتهض الاحتجاج بذلك على وجوب السكنى للمتوفى عنها.
وأما حديث الفريعة الذي أخرجه أحمد ومالك في الموطأ والشافعي وأهل السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم أنها قالت: خرج زوجي في طلب اعلاج له فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه فأتاني نعيه وانا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت:إن نعى زوجي اتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع لي نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن له فلو تحولت إلي أهلي وإخوتي لكان ارفق بي في بعض شأني فقال تحولي فلما خرجت إلي الحجرة دعاني فقال: "امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله" قالت: فاعتددت فيه اربعة اشهر وعشرا قال فأرسل إلي عثمان فاخبرته فأخذ به.
فهذا الحديث وإن كان صحيحا ولم يأت من قدح فيه بشيء ينبغي الالتفات اليه لكن غاية ما فه انها تعتد في المنزل الذي أتاها فيه نعي زوجها وليس فيه ان سكناها في مدة عدة الوفاة من مال الزوج وقد صرحت أنه لا منزل لزوجها فقالت: وليس المسكن له فعرفت بهذا أنه لا دليل في الحديث على إيجاب السكنى للمتوفى عنها من مال زوجها ولكن يجب عليها ان تعتد في المنزل الذي كانت فيه عند موت زوجها سواء كان لها أو للزوج أو لغيرهما ولا يبعد ان أجرة المنزل إذا كان للغير لازمة لها بل هو الظاهر بل لا يبعد ان المنزل إذا كان لزوجها فلورثته أن يطالبوها بالكراء فهذا حكم تعبد الله به المعتدة ولم يوجبه على زوجها ومع هذا فقد قدمنا