ويؤيد هذا ما أخرجه البخاري وغيره عن عائشة انها قالت: كانت فاطمة بنت قيس في مكان فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أخرجه مسلم وغيره من حديث فاطمة بنت قيس قالت: قلت: يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثا وأخاف أن يقتحم على فأمرها فتحولت وثبت في صحيح مسلم وغيره من حديثها ان النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تنتقل عند ابن أم مكتوم.
وأما المتوفي عنها فقد قدمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في المنزل الذي أدركتها فيه وفاة زوجها بعد أن أخبرته ان المنزل ليس لزوجها فدل ذلك على انها متعبدة بذلك كما سلف.
وأما المطلقة رجعيا فقد قدمنا ان سياق قوله عز وجل:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ}[الطلاق: ٦] ، وقوله:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ}[الطلاق: ١] ، يدل على ان المراء المطلقة رجعيا مع ما قدمنا من حديث فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة" وقد قدمنا أيضا انها لا تخرج من البيت الذي يسكنها فيه الا باذنه فقوله ولو في سفر بريد فصاعدا ولا تبيت الا في منزلها صحيح. وهكذا يجب عليها في النهار ان تقعد في منزلها الا لحاجة أو خوف ولهذا قال المصنف رحمه الله: الا لعذر فيهما وقد قدمنا إذنه صلى الله عليه وسلم لفاطمة بالانتقال لذلك العذر وقدمنا أيضا حديث جابر عند مسلم وغيره أنه قال طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فلقيها رجل فنهاها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: "اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي أو تفعلي خيرا".
قوله:"ويجب على المكلفة المسلمة الاحداد على غير الرجعي".
أقول: أما وجوبه على المتوفى عنها فالاحاديث في ذلك كثيرة صحيحة وقد تضمن انها لا تكتحل ولا تتطيب ولا تلبس ثوبا مصبوغا الا ثوب عصب ولا تختضب ولا تلبس الحلى ولا تمتشط.
وأما المطلقة رجعيا فلا احداد عليها بالاجماع وأما المطلقة بائنا فلا إحداد عليها عند الجمهور وهو الحق لعدم ورود دليل يدل على ذلك فيجب البقاء على البراءة الاصلية ولا يخرج منها الا من ورد النص بالوجوب عليه وهو المتوفى عنها فقط نعم ورد ما يدل على جواز الاحداد على الميت وإن كان غير زوج لكن ثلاثة أيام فقط كما في الصحيحين وغيرهما من حديث ام حبيبة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الاخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا"، وهو في الصحيحين أيضا من حديث زينب بنت جحش وهو في الصحيحين أيضا من حديث أم سلمة.