وأما قوله:"أو أغمى عليهما أو على أحدهما" فصحيح لأن ذلك عذر مسوغ.
وأما قوله:"أو أخذ رهنا أو إحالة أو كفالة" فباطل مخالف للأدلة مدفوع بها إن أراد أن أحد هذه الأمور يغني عن القبض وإن أراد أنه يكفي ذلك ما دأما في المجلس كما يفيده قوله ما لم يفترقا فلا حاجة إلي هذه الأمور مع البقاء في المجلس لأن التقابض فيه يكفي من غير توسيط هذه الأمور والتعرض لذكر مفارقة المستدرك لهما مما لا حاجة إله ولا مدخل له.
قوله:"وما في الذمة كالحاضر".
أقول: هذه الكلية وإن كان ظاهرها المخالفة للأدلة المشروطة للتقابض المحقق فيمكن أن يستشهد لصحتها بالقرض فإن المستقرض دفع مثل الثابت في ذمته مع عدم وجوده حال القضاء فكان ما في ذمته كأنه حاضر ولكن لا بد أن يكون ما في الذمة باعتبار أحد المتبايعين والمقابل له حاضر وإلا كان من بيع الكاليء بالكاليء كما تقدم.
وأما قوله:"والحبوب أجناس" إلي قوله: "فإن اختلف التقدير" فلا يخفاك أنه لا بد أن يصدق على ما قيل بجنسيته أن أهل اللغة يطلقون عليه ذلك الاسم أو يثبت أنه جنس عند أهل الشرع وأما مجرد الأعراف والاصطلاحات فلا يتعلق ببيانها كثير فائدة ولا يترتب عليها ثمرة إلا في مثل الأيمان وما يلتحق بها فإن كل حالف أو متكلم بكلام لا يقصد في الظاهر إلا عرف قومه واصطلاح أهل بلده والمقام مقام ثبوت الربا أو عدمه فلا يتكل فيه على ما لا يسمن ولا يغني من جوع.
قوله:"فإن اختلف التقدير اعتبر بالأغلب في البلد".
أقول: هذا العرف الغالب لا يثبت به شيء من الأمور الشرعية مثلا لو جرى عرفهم أن الذهب والفضة يكالان لم يكن الكيل مصححا لبيع الجنس بجنسه حتى يقع الوزن لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل"، وهكذا لو جرى عرفهم أن البر أو الشعير يوزنان لم يجز بيع الجنس بجنسه حتى يعرف التسأوي بينهما بالكيل ومن قال إن الاتفاق في التقدير بالكيل والوزن موجب لثبوت الربا كما سبق لم يكن مجرد كيل بلد أو وزنها مقتضيا لذلك لأنه قد رتب على هذا أمر شرعي ولو كان مثل ذلك مسوغا لإثبات الأحكام الشرعية لكان الربا في الشيء ثابتا في بلد وغير ثابت في أخرى وإنما يثبت بذلك حمل ما يصدر من أهل البلد في المجأوزة عليه لأنه الذي يتعلق به القصد لهم وأما مثل صاع الفطرة وأوساق الزكاة فالاعتبار بمكيال المدينة في المكيل وهكذا الاعتبار في مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"في خمس أواق صدقة"، وفي الدية ونصاب السرقة ونحو ذلك بميزان مكة لما أخرجه أبو دأود والنسائي والبزار وابن حبان والدارقطني وصححاه من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة"، ورواه أيضا أبو دأود من حديث ابن عباس وأخرجه أيضا الدارقطني عن ابن عباس من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن خنظلة عن طأوس عنه وأخرجه عنه ومن طريق أبي نعيم عن الثوري عن حنظلة عن سالم بدل طأوس قال الدارقطني أخطأ أبو أحمد فيه.