أقول: يدل على عدم جواز التسعير القرآن الكريم قال الله عز وجل: {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ}[النساء: ٢٩] ، فمن وقع الإجبار له أن يبيع بسعر لا يرضاه في تجارته فقد أجبر بخلاف ما في الكتاب وهكذا يدل على عدم جواز التسعير قوله سبحانه وتعالي:{وَلا تَأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[النساء: ٢٩] ، فإن من أكره على بيع ماله بدون ما يرضى به فقد أكل ماله بالباطل وهكذا يدل على عدم جواز التسعير قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيبة من نفسه"، ويدل على عدم جوازه على الخصوص ما أخرجه أحمد وأبو دأود والترمذي وابن ماجه والدارمي والبزار وأبو يعلى وصححه الترمذي وابن حبان من حديث أنس إن السعر غلاء فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال:"إن الله هو المسعر القابض الباسط وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال"، قال ابن حجر وإسناده على شرط مسلم.
ويدل على عدم جوازه على الخصوص أيضا ما أخرجه أحمد وأبو دأود من حديث أبي هريرة قال جاء رجل فقال: يا رسول الله سعر, فقال:"بل أدعو الله" ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله سعر فقال: "بل الله يخفض ويرفع" قال ابن حجر وإسناده حسن.
ويدل على ذلك أيضا ما أخرجه ابن ماجة والبزار والطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد بنحو حديث أنس قال ابن حجر وإسناده حسن أيضا قال وللبزار نحوه من حديث علي وعن ابن عباس في الطبراني في الصغير وعن أبي جحيفة في الكبير وأغرب ابن الجوزي فأخرجه في الموضوعات عن علي وقال إنه حديث لا يصح انتهى وظاهر هذه الأدلة عدم الفرق بين القوتين وغيرهما لأن الكل يتأثر عنه عدم طيبة النفس ويقع على خلاف التراضي المعتبر ولا فرق بين أن يكون في التسعير الرد إلي ما يتعامل به الناس أو إلي غيره فإن الفرق بمثل هذا الفرق هو مجرد رأي وملاحظة مصلحة في شيء يخالف الشرع وقد أشار صلى الله عليه وسلم في حديث أنس السابق إلي ما يفيد أن في التسعير مظلمة فلا خير ولا مصلحة في مظلمة بل الخير كل الخير والمصلحة كل المصلحة في العمل بما ورد به الشرع.
قوله:"والتفريق بين ذوي الأرحام والمحارم".
أقول: لحديث أبي أيوب عند أحمد والترمذي وحسنه والدارقطني والحاكم وصححه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة"، ولحديث أبي موسى عند ابن ماجه والدارقطني بإسناد لا بأس به قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه ولحديث علي عند أبي دأود والدارقطني أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البيع وقد أعله أبو دأود بالانقطاع ولكنه أخرجه الحاكم وصحح إسناده ورجحه البيهقي لشواهده ولحديث علي أيضا عند ابن ماجه والدراقطني وصححه ابن خزيمة وابن الجارود