للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أقول: لما ثبت في صحيح مسلم "١٢٩/١٦٠٥"، وغيره [أبو داود "٣٤٤٧"، الترمذي "١٢٦٧"، ابن ماجة "٢١٥٤"، أحمد "٦/٤٠٠"] ، من حديث معمر بن عبد الله العدوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحتكر إلا خاطيء"، ولحديث معقل بن يسار عند أحمد والترمذي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يعقده بعظم من النار يوم القيامة"، ورجاله رجال الصحيح كما قال في مجمع الزوائد إلا زيد بن مرة أبو المعلا قال ولم أجد من ترجمة ولحديث ابن عمر عند ابن ماجه وإسحق بن راهويه والدارمي وأبي يعلى والعقيلي والحاكم بلفظ: "الجالب مرزوق والمحتكر معلون" وفي إسناده ضعف ولحديث ابن عمر عند أحمد وابن أبي شيبة والبزار وأبي يعلى والحاكم بلفظ: "من احتكر الطعام أربعين يوما فقد برئ من الله وبرئ الله منه" وفي إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة والأول مختلف فيه والثاني كذلك وقد وثق الأول النسائي ووثق الثاني أو سعيد وفي الباب أحاديث والاحتكار والحكرة قد فسرا بحبس السلع عن البيع وهذا يدل على تحريم الاحتكار لكل ما تدعو إليه حاجة الناس ويؤيد هذا حديث: "من دخل في شيء من أسعار المسلمين" فإنه يعم كل ما له سعر فلا يكون التنصيص على الطعام في بعض الأحاديث مقتضيا لتخصيص تحريم الاحتكار لأن ذلك من التنصيص على بعض أفراد العام وأيضا إذا كانت العلة الإضرار بالمسلمين فهو يشمل كل ما يتضررون باحتكاره وتدعو حاجتهم إليه وإن كان التضرر باحتكار الطعام أكثر لمزيد الحاجة إليه ويدخل في ذلك قوت الدواب.

وأما قوله: "الفاضل عن كفايته ومن يمون إلي الغلة" فقد حكى ابن رسلان في شرح السنن الإجماع على جواز ذلك فقال ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت وما يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به انتهى ويدل على ذلك ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي كل واحدة من أزواجه مائة وسق من خيبر قال ابن رسلان في شرح السنن وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره.

وأما قوله: " مع الحاجة" فهذا القيد لا بد منه لأن إدخار ما لا حاجة للناس إليه لا يضربهم إلا إذا كان فعله لذلك يقضي إلي الغلاء فإنه يتنأوله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليغليه عليهم".

قوله: "فيكلف البيع".

أقول: هذا صحيح لأنه فاعل لما هو من محرمات الشريعة مع مزيد أن فيه إضرارا بالمسلمين فلا يجوز تقريره على الحرام ولا يجوز ترك المسلمين يتلهفون من الجوع صيانة لهذا المحتكر الخاطيء المضار للمسلمين ولهذا عاقبة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بتحريق طعامه وأما قول الجلال ها هنا إلي المنكر هو ما كان دليله قطعيا بحيث لا خلاف فيه فمن ساقط الكلام وزائفه فإن إنكار المنكر لو كان مقيدا بهذا القيد لبطل هذا الباب وانسد بالمرة وفعل من شاء ما شاء إذ لا محرم من محرمات الشريعة في الغالب إلا وفيه قول لقائل أو شبهة من الشبه وسيأتي في هذا الكتاب في السير أنه لا إنكار في مختلف فيه على ما هو مذهب وهو أيضا باطل من القول وإن كان أقل مفسدة من هذا الكلام.

<<  <   >  >>