أراد الأجرة فلا يستحقها إلا بالوفاء بما تراضيا عليه وإن رغب عن الأجرة فلا يلزمه الوفاء ولهذا يقول شعيب عليه السلام لموسى عليه السلام {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ}[القصص: ٢٧] ، فذكر له القدر الذى يستحق به أن ينكحه إحدى ابنتيه ثم ذكر له الزيادة على جهة المكارمة والتفضل فمعلوم أنه لا يلزم موسى عليه السلام الدخول في هذا العقد ابتداء ثم لو رغب عن الأجرة واختار الترك في وسط المدة لم يكن عليه التمام شاء أم أبى وهكذا سائر الإجارات فلزوم عقدها هو من هذه الحيثية وهو مفوض إلي الأجير إن شاء مضى فيه واستحق الأجرة وإن شاء تركه وترك المطالبة بالأجرة.
وأما اشتراط كون الإجارة فيما يمكن الانتفاع به فلا بد من ذلك وإلا كان البحث خارجا عن الإجارة.
وأما قوله:"ونماء أصله" فلا يدري ما هو الموجب لهذا الاشتراط ولا ثبت ما يمنع منه من شرع ولا عقل فاستئجار الشجرة للانتفاع بثمرها واستئجار الحيوان للانتفاع بما يخرج منه من صوف ولبن جائز صحيح ومن ادعى خلاف هذا فعليه الدليل.
وأما قوله:"ولو مشاعا" فصحيح لأن المالك لبعض الشيء له أن يتصرف به كيف يشاء كالمالك للشيء جميعه إلا أن يتصرف في نصيبه بما يضر شريكه فإن ذلك ممنوع بالأدلة الواردة في المنع من الضرار.
وأما قوله:"في منفعة مقدورة للأجور" فلا بد منه فإن ما لا يقدر عليه لا ينتفع به فيه.
قوله:"غير واجبه عليه".
أقول: الأدلة الواردة في تحليل الإجارة على العموم وفي تحليل مطلقها من غير تقييد يقتضي أنه لا يصح القول بعدم جواز نوع خاص من أنواعها إلا بدليل يدل عليه يصلح لتخصيص العموم أو تقييد المطلق وقد استدلوا على عدم جواز الاستئجار على ما هو واجب على الأجير بما أخرجه ابن ماجه والبيهقي من حديث أبي بن كعب قال علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أخذتها أخذت قوسا من نار" فرددتها. قال البيهقي وابن عبد البر وهو منقطع يعني بين عطية العوفي وأبي بن كعب وكذلك قال المزني وتعقبهم ابن حجر بأن عطية ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأعله ابن القطان بالجهل يحال عبد الرحمن بن سلم الرأوي عن عطية وله طرق عن أبي قال ابن القطان لا يثبت منها شئ قال ابن حجر وفيما قال نظر وذكر المزي في الأطراف له طرقا وشهد له ما أخرجه أبو دأود وابن ماجه من حديث عبادة ولفظه قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليست بمال وأرمى عليها في سبيل الله عز وجل لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتيته فقلت يا رسول الله رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليس بمال وأرمي عليها في سبيل الله فقال:"إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها"، وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي وقد تكلم فيه جماعة ووثقه وكيع ويحيى بن معين ولكنه قد روي عن عبادة من