طريق أخرى عند أبي دأود "٣٤١٧"، بلفظ ما ترى فيها يا رسول الله فقال:"جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها"، وفي إسناد هذه الرواية بقية بن الوليد وقد تكلم فيه جماعة ووثقه الجمهور وقد روي حديث أبي السابق الطبراني في الأوسط عن الطفيل بن عمرو الدوسي بنحوه وهذه الروايات يقوي بعضها بعضا فتقوم بها الحجة وكونها واردة في خصوص الهدية لا يمنع من الاستدلال بها على تحريم الأجرة لأنه صلى الله عليه وسلم قد ذكر ما يدل على تحريم أخذ العوض عن ذلك كما في هذه الروايات وقد تركوا الاستدلال على التحريم بما هو أصرح من هذه الأحاديث وهو ما أخرجه أحمد بإسناد رجاله ثقات والبزار من حديث عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اقرأوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به"، وما أخرجه أيضا أبو دأود من حديث جابر قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرأبي والعجمي فقال:"اقرأوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه"، وأخرجه أبو دأود أيضا من حديث سهل بن سعد.
ومما له دخل في منع أخذ الأجرة على ما هو طاعة ما تقدم في الإذان من قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص:" اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا"، وفي الباب أحاديث وقد ذهب الجمهور إلي أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن وأجابوا عن حديث أبي وعبادة وما في معناهما بأجوبة منها أنها واقعات عينية فتحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا لله فكره أخذ العوض عنه وقد استوفيت ما أجابوا به وما أجيب عليهم في شرحي للمنتقى ومن جملة ما استدل به المجوزون ما أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عباس أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشاء إلي أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله"، فإن هذا العموم يدل على جواز أخذ الأجرة على القرآن على كل وجه من وجوه الإجارات وقد خصص بالأحاديث المتقدمة فيقتصر المنع على ما اشتملت عليه.
قوله:"ولا محظورة".
أقول: يدل على هذا ما ورد في الأحاديث من النهي عن مهر البغي وحلوان الكاهن فإن العلة في المنع من هذه ونحوها هى كونها محرمة فيلحق بذلك كل محرم للاستواء في علة المنع.
وأما قوله:"وشرط كل مؤجر ولايته" فوجهه أنه لا يجوز استعماله إلا بإذن مالكه أو من ينوب عن المالك وإلا كان ذلك من باب الغصب لا من باب الإجارة وهكذا لا بد من تعيين ما أستأجره أو استؤجر عليه وإلا كان الانتفاع به متعذرا وهكذا لا بد من تعيين مدته ويصح أن تكون الإجارة غير مشتملة على مدة معلومة وذلك كان يستأجره على كذا في كل يوم بكذا أو في شهر بكذا فإن هذه الإجارة صحيحة ولم يرد ما يدل على امتناعها وهما بالخيار أحدهما ترك ذلك كان له من غير حرج وأما اشتراط تعيين الأجرة فيدل عليه ما أخرجه أحمد