يثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين [البخاري "٢٦٢١"، مسلم "٧/١٦٢٢"] ، وغيرهما [النسائي "٦/٢٦٦"، ابن ماجة "٢٣٨٥"ن أحمد "١/٢٨٠، ٣٤٢"] ، من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"العائد في هبته كالعائد يعود في قيئه"، وفي لفظ للبخاري "٥/٢٣٤"، "ليس لنا مثل السوء"، فإن هذا الحديث المشمل على هذا التشبيه المفيد للتكريه للرجوع بأبلغ ما يكرهه الإنسان وأعظم ما تنفر عنه نفوس بني آدم يدل أبلغ دلالة على عدم جواز الرجوع فيها ومما يدل على عدم جواز الرجوع ما أخرجه أحمد "٢/٢٧، ٧٨"، وأهل السنن [أبو داود "٣٥٣٩"، الترمذي "٢١٣٢"، النسائي "٣٧٠٣"، ابن ماجة "٢٣٧٧"، وصححه الترمذي "٤/٤٤٢"، وابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس وابن عمر رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده"، والحلال ضد الحرام كما ثبت في اللغة فالرجوع عن الهبة حرام إلا هبة الوالد لولده فإن الشرع قد سوغ له الرجوع كما في هذا الحديث ويؤيده حديث عائشة عند أحمد وأهل السنن "ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئا"، وصححه حبان وأبو زرعة ويؤيده أيضا ما أخرجه أحمد وأبو دواد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال:"أنت ومالك لوالدك إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئا"، وأخرجه أيضا ابن خزيمة وابن الجارود ويؤيده أيضا ما أخرجه ابن ماجه "٢٢٩١"، من حديث جابر أن رجلا قال يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال:"أنت ومالك لأبيك"، قال ابن القطان إسناده صحيح وقال المنذري رجاله ثقات وفي الباب أحاديث قال ابن حجر في الفتح وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب الجمهور إلا هبة الوالد لولده قال الطبري يخص من عموم الحديث من وهب بشرط الثواب ومن كان والدا والموهوب له ولده والهبة لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك انتهى.
ومن الهبة التي يراد بها العوض وإن لم تذكر هبة الفقير للغني فإنه لا يراد بمثل ذلك المكارمة عرفا بل استجلاب الفائدة بزيادة على ما يحصل للفقير لو باعها وأما هبة الغني للفقير فملعوم أنه لا يراد بها العوض فلا يكون له الرجوع وهكذا الهبة الواقعة بين المتماثلين غنى وفقرا.
أما قوله:"مع بقائهما" فظاهر لا يحتاج إلى تعليل عند مثبتي الرجوع وأما عند غيرهم فبطريق الأولى وهكذا قوله لم تستهلك حسا أو حكما أو زادت زيادة متصلة.
وأما قوله:"ولا وهبت لله" فليس في هذا مزيد تأثير لامتناع الرجوع وإن كان المصنف قد ادعى الإجماع عليه.
وأما قوله:"أو لذي رحم" فليس في هذا التخصيص من المرفوع شيء ما روي عن بعض الصحابة لا تقوم به الحجة فالحق امتناع الرجوع على كل حال بالأدلة التي قدمنا ذكرها إلا الأب في الهبة لولده فإنه يجوز له الرجوع فيها كما قدمنا ولا فرق بين أن يكون الولد صغيرا أو كبيرا.
وأما قوله:"وفي الأم خلاف" فلا يخفاك أن الحديث المشتمل على الاستثناء هو بلفظ