الوالد فإن كان يصدق على الأم كما يصدق الولد على الأنثى فالأم كالأب وإن كان لا يقال على الأم إلا بطريق التغليب فهي داخلة في الاستثناء ويؤيد هذا ما في المصباح قال الوالد الأب وجمعه بالواو والنون والوالدة الأم وجمعها بالألف والتاء والوالدان الأب والأم للتغليب انتهى ويؤيده أيضا الحديث المتقدم بلفظ:"أنت ومالك لأبيك".
قوله:"وردها فسخ".
أقول: هذا مبني على أنه قد وقع العقد إيجابا وقبولا كما تقدم للمصنف فإذا ردها بعد هذا كان الرد فسخا للعقد الواقع بينهما أما لو ردها ابتداء فلا يقال لهذا الرد فسخ لأنه لم يتقدم شيء يصدق عليه مسمى الفسخ بل هذا الرد يوجب عدم ثبوت مقتضى الهبة من الأصل أما عند المصنف فلعدم القبول الذي هو أحد جزئي العقد وأما عندنا فلعدم التراضي من الجهتين الذي هو المناط الشرعي في نقل الأملاك.
قوله:"وينفذ من جميع المال في الصحة وإلا فمن الثلث".
أقول: الهبة إخراج قطعة من المال لمن وهبها له مالكه والكلام في نفوذها مع عدم المانع لا شك فيه وأما التفصيل بين ما كان منها في الصحة وما كان في المرض فمبني على أن الهبة في المرض لها حكم الوصية كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "الثلث والثلث كثير"، ولكن تنزيل غير الوصية من التصرفات منزلة الوصية إذا وقعت حال المرض سيأتي الكلام فيه في الوصايا إن شاء الله تعالى والظاهر نفوذ تصرف المالك في ملكه صحيحا أو مريضا من جميع ماله وينبغي له مع هذا أن لا يدع ورثته عالة يتكففون الناس كما ورد في الحديث فلا يجوز له أن يتصرف بكل ماله لأنه إذا فعل ذلك فقد خالف قوله صلى الله عليه وسلم:"لأن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس"، وهو في الصحيحين [البخاري "٣/١٦٤"، مسلم "٥/١٦٢٨"، وغيرهما [أبو داود "٢٨٦٤"، الترمذي "٢١١٦"، النسائي "٦/٢٤١، ٢٤٢"، ابن ماجة "٢٧٠٩"، أحمد "١/١٧٩"، من حديث سعد بن أبي وقاص والقصة معه ولكن هذا الحديث ليس فيه إلا مجرد بيان ما هو الأولى والأفضل وليس بعزيمة ومثله حديث:"خير الصدقة ما كان على ظهر غنى"، كما في الصحيحين [البخاري "١٤٢٧"، مسلم "١٠٣٤"، وغيرهما [النسائي "٣٥٤٣"، أحمد "٣/٤٠٢، ٤٠٣، ٤٣٤"] ، من حديث حكيم بن حزام وفي الباخري من حديث أبي هريرة نحوه.
وأما قوله:"ويلغو شرط ليس بمال ولا عرض وإن خالف موجبها" فلا يخفاك أن يقال الشرط من الواهب يدل على أن الرضا منه منوط بحصول ذلك الشرط فإذا لم يحصل كشف ذلك عن عدم الرضا وإن كان ليس بمال ولا عرض وإن رفع موجبها.
وأما قوله:"والبيع ونحوه" الخ فمبني على ما قدمه المصنف من جواز الرجوع في الهبة بغير عوض وقد قدمنا رد ذلك بالأدلة المتقدمة.