حاتم الرازي صالح وقد أخرج له مسلم وأما جهالة الصحابي فغير قادحة ولكن لا يخفاك أن هذا الحديث ليس هو كالغصب في كل وجه فإن هذه المرأة لا تقصد الإستيلاء على مال الغير عدوانا بل وقع في ظنها أن إذن امرأة الرجل كإذنه ولما كان إذن المالك أمر لا بد منه صرفها صلى الله عليه وسلم في مصرفها.
قوله:"وما أستهلكه بخلطه وإزالة معظم منافعه".
أقول: أما الخلط فقد تعذر إرجاع العين معه فيجب على الغاصب إرجاع مثلها من أعلى جنس من أجناسها كما قدمنا لأن انتصاف المظلوم من ظالمه وإرجاع حقه إليه على طريقة العدل لا يكون إلا بذلك ولا وجه لجعل ذلك موجبا لملك الغاصب لما غصبه ولا دل على ذلك شرع ولا عقل وأما إذا فعل في العين المغصوبة ما أزال اسمها ومعظم منافعها فهذا أيضا لا يوجب أن تصير تلك العين بعد تغييرها ملكا للغاصب بل المالك بالخيار إن شاء رجعت له وأخذ أرش النقص وإن شاء تركها وأخذ قيمتها موفرة ولا تطيب للغاصب بعد تسليم الأرش أو القيمة بحال من الأحوال لأنه أخذها لا بإذن الشرع ولا بإذن المالك فإن طابت نفس المالك بأن تصير للغاصب بعد تسليم القيمة أو الأرش كان ذلك هو المسوغ لا مجرد الضمان.
قوله:"ويملك مشتريها الجاهل غلتها" الخ.
أقول: قد عرفناك غير مرة أن العين باقية على مالك مالكها وأن اليد الظالمة الغاصبة لا يثبت بها حق للغاصب ولا لغيره من غير فرق بين العالم والجاهل فما حصل من الغلة في يد مشتريها الجاهل كان لرب العين وهو المالك وهذا المشتري الجاهل يرجع بما غرمه للمالك على الغاصب لأنه غرم لحقه بسببه فهذا ما تقتضيه القواعد الشرعية القاضية بعصمة أملاك العباد وعدم خروجها عنهم إلا بالرضا كما يدل عليه قوله عزوجل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البقرة: ١٨٨] ، وقوله صلى الله عليه وأله وسلم:"لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيبة من نفسه"، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام"، فمن زعم أن الغصب يقتضي خروج فوائد العين عن ملك مالكها إذا باعها الغاصب من جاهل لغصبها فعليه الدليل ولا دليل وما ذكره من التصدق بما تعدى قيمة الرقبة فمبني على هذا الخيال الفاسد وأما لزوم الأجرة له فإذا اختار المالك عدم أخذ فوائد العين من المشتري الجاهل وطالب بأجرة الأرض كان له ويرجع به المشتري الجاهل على الغاصب كما قدمنا وسيأتي للمصنف مثل هذا قريبا ولكنها تكررت عليه بعض المباحث في هذا الفصل والفصل الذي قبله والفصل الذي سيأتي بعده ووقع التخالف في بعضها وقد أوضحنا ما هو الحق في الجميع.
[فصل
وللمالك قلع الزرع وأجرته ولو مستقلا ولا يفسد إن تمكن بدونه والرجوع بالعين