للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليك لتفعلن كذا أو عزمت عليك لتتركن كذا وكانوا يرون أن ذلك قسما ويسارعون إلى الامتثال.

وأما قوله: "أو أشهد" فقد سمى الله سبحانه الأيمان شهادة في آية اللعان.

وأما قوله: "علي يمين أو أكبر الأيمان" فظاهر أنه أراد بهذا اليمين.

قوله: "على أمر مستقبل ممكن".

أقول: وجهه أنه لا يتحقق الحنث الموجب للكفارة إلا في الأمور المستقبلة لأن الحلف على الأمر الماضي إن كان الحالف عالما بأنه على خلاف ما حلف عليه فهي اليمين الغموس وإن كان غير عالم فهو اليمين اللغو وسيأتي أنه لا كفارة فيهما.

وأما قوله: "ولو ناسيا أو مكرها" فالظاهر أنهما لا حنث عليهما ولا تلزمهما الكفارة لرفع خطاب الشرع عنهما كما في حديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وظاهر الرفع يعم الأمور الدنيوية والأمور الأخروية إلا ما خصه الدليل وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه لما حكى عن القائلين: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} إلى آخر الآيات قال: "قد فعلت" فقد ثبت بهذا الدليل الصحيح رفع الخطأ والنسيان وعدم المؤاخذة بهما وكذلك ثبت به عدم المؤاخذة بما هو خارج عن طاقة العبد فتكليف المكره هو تكليف بما لا طاقة له به.

وأما قوله: "ولم يرتد بينهما" فوجهه أن الإسلام يجب ما قبله كما ثبت ذلك بالدليل الصحيح.

قوله: "وتنعقد على الغير على الأصح".

أقول: هذا الإنعقاد يخالف ما تقدم له في قوله ممكن فإن المراد الإمكان للحالف وهو لا يتمكن من فعل غيره وقد عرفناك أن الخطاب بما لا يمكن هو من المؤاخذة للعبد بما لا طاقة له به وقد رفع الله سبحانه ذلك عن عباده.

قوله: "ولا يأثم بمجرد الحنث".

أقول: ينبغي أن يقال الحنث يختلف باختلاف المحلوف عليه فإن حلف على أن يفعل ما لا يجوز فعله كان الحنث واجبا عليه وإن حلف على شيء غيره خير منه كان الحنث مندوبا كما في الأحاديث الثابتة في الصحيحين [البخاري "٦٦٢٢"، مسلم "١٩/١٦٥٢"] ، وغيرهما [أحمد "٥/٦٢ـ ٦٣"، أبو داود "٣٢٧٨"، النسائي "٧/١٠"] ، من طرق جماعة من الصحابة: "من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه"، بل ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والله لا أحلف على شيء فأرى خيرا منه إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني".

ولا يبعد أن يكون الحنث من هذه الصورة واجبا لقوله: "فليأت الذي هو خير" وإن كان المحلوف على فعله مباحا فترك الحنث أفضل لأن الله سبحانه قد أمر بحفظ الأيمان ومعنى

<<  <   >  >>