مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: ١] . ولا يدل قوله سبحانه:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}[التحريم: ٢] ، على أن الحلف كان بالتحريم لاحتمال الآية فإن الحالف بالله أن لا يفعل الشيء يصدق عليه أنه قد حرمه على نفسه والروايات من الأحاديث الحاكية لهذه القصة التي سبب نزول هذه الآية مختلفة.
والحاصل أن التحريم والتحليل هو إلى الله عزوجل لا إلى العبد فكل تحريم لما أحله الله يوجبه العبد على نفسه لا حكم له ولا اعتبار به ولا يصير به الحلال حراما ولا يكون يمينا لما قدمنا من الاحتمال وعلى كل تقدير فلا يجوز لأحد من العباد أن يفعل شيئا عاتب الله عليه ورسوله فإن فعل كان ذلك لغوا لا اعتداد به.
قوله:"مصرحا بذلك".
أقول: الاعتبار بما يصدق عليه أنه يمين شرعية على الصفة المتقدمة فما كان من الألفاظ لا يحتمل غير اليمين فهو يمين فإن أراد خلافه أو سبقه لسانه لا يلزمه اليمين من غير فرق بين الصريح والكناي. ة
والحاصل أن الاعتبار بالقصد في كل لفظ فلا يتم قوله قصد إيقاع اللفظ لأنه لا اعتبار بمجرد قصد إيقاع اللفظ بل الأعمال بالنيات وقد تقدم الكلام على هذا في الطلاق وفي كثير من الأبواب.
قوله:"أو حلف أو أعزم أو أقسم".
أقول: أما لفظ أحلف أو أقسم فهو لا يراد بهما إلا اليمين وإن لم يحلف بالمقسم به فيكونا مع قصد الحلف يمينا وقد أخرج أحمد "٦/١١٤"، بإسناد رجاله رجال الصحيح من حديث عائشة أن امرأة أهدت إليها تمرا في طبق فأكلت بعضه وبقي بعضه فقالت أقسمت عليك إلا أكلت بقيته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبريها فإن الإثم على المحنث"، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم قولها هذا يمينا وأمرها أن تبرها وأخرج أيضا أحمد وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن صفوان وكان صديقا للعباس أنه لما كان يوم الفتح جاء بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايعه على الهجرة, فأبى وقال:"إنه لا هجرة" فانطلق إلى العباس فقام العباس معه فقال يا رسول الله قد عرفت ما بيني وبين فلان وأتاك بأبيه لتبايعه على الهجرة فأبيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة"، فقال العباس: أقسمت عليك لتبايعنه فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال: "هات أبررت عمي ولا هجرة". وثبت في الصحيحين [البخاري "٧٠٤٦"، مسلم "٢٢٦٩"] ، وغيرهما [أبو داود "٣٢٦٨"، الترمذي "٢٤٩٤"، ابن ماجة "٣٩١٨"، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر:"لا تقسم"، لما قال له لتحدثني بالذي أخطأت فسمى صريح اليمين قسما.
وأما قوله:"أو أعزم" فليس في هذا ما يفيد اليمين ولكنه كان كثير الوقوع من السلف لا سيما الأكابر منهم كانوا يقولون فيما يريدون وقوعه من غيرهم أو عدم وقوعه عزمت