وتخصيص وإن كان يصلي في جميع مساجد بلده أو يصلي في بيته كان الأولى بذلك أقرب مسجد إلى بيته فإذا استوت في القرب كان الأولى ما يكثر فيه المصلون وتقام فيه الجماعات لكثرة من الناس وإلا حصص المنذر به بينها لعدم المزية الموجبة للترجيح لبعضها على بعض.
قوله:"وفي الفعل كونه مقدورا".
أقول: وجه هذا الاشتراط معلوم عقلا وشرعا أما عقلا فلكون نذره بما لا يقدر عليه إذا كلف بالوفاء به كان ذلك من تكليف ما لا يطاق وأما شرعا فلكون ما لا يقدر عليه لا يملكه وقد ثبت في الصحيح: "أنه لا نذر فيما لا يملك ابن آدم" كما تقدم
وأما اشتراط أن يكون النذر معلوم الجنس فوجهه أن إيجاب ما لا يعلم جنسه لغو فهو من باب من نذر نذرا لم يسمه.
قوله:"جنسه واجب".
أقول: هذا الاشتراط لم يدل عليه رواية ولا رأى صحيح والذي تقدم من الأدلة له مصرح بوجوب الوفاء بما هو طاعة وبما ابتغي به وجه الله والطاعة وابتغاء وجه الله لا تختصان بالواجب بل بما فيه قربة وهي كائنة في فعل الواجب وترك الحرام وفعل المندوب وترك المكروه ولا توجد في المباح إلا عند النافين للمباح وقد قوينا هذا القول برسالة بوجوه من المنقول والمعقول وسميناها رفع الجناح عن نافي المباح.
قوله:"وإلا فالكفارة".
أقول: أما وجوب الكفارة حيث كان المنذور به غير مقدور للناذر فيدل عليه ما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر نذرا ولم يسمه فكفارته كفارة يمين ومن ينذر نذرا ولم يطقه فكفارته كفارة يمين"، قال ابن حجر في بلوغ المرام إسناده صحيح إلا أن الحفاظ رجحوا وقفه.
ومما يدل على عدم لزوم ما فيه مشقة من النذر ما أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عباس قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم فقال النبي صلى الله عليه آله وسلم: "مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه"، فأمره بالوفاء بما هو طاعة وهو الصوم وأمر بترك ما فيه مشقة ولا قربة فيه.
ومما ورد في عدم لزوم ما فيه مشقة وأنه يكفر كفارة يمين ما أخرجه أحمد وأبو داود ورجاله رجال الصحيح من حديث ابن عباس قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أختي نذرت أن تحج ماشية فقال:"إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا لتخرج راكبة ولتكفر عن يمينها"، وفي رواية لأحمد من حديث عقبة بن عامر أنها نذرت أخته أن تمشي إلى الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لغني عن مشيها لتركب ولتهد بدنه"، وأصل الحديث في الصحيحين [البخاري "٤/٧٨"ن مسلم "١١/١٦٤٤"، بلفظ:"لتمش ولتركب".