عرفناك لا بما أراده المصنف فإن هذا لا يجري على شرع ولا عرف ولا رواية ولا دراية وإنما هو من صنيع النساء ومن يشابههن من المترفين.
قوله:"أو ضرورة".
أقول: هذه الضرورة إن كانت هي الضرورة للتداوي فقد ثبت في السنة المطهرة ما يدل على أن التفويض أفضل فلا ضرورة أيضا فلو قدرنا أن شيئا من ذلك يصلح للتداوي به لكان من التداوي بالحرام وقد تقدم الكلام عليه وإن كانت هذه الضرورة هي الحاجة الضرورية للبس الثوب الحرير أو الذهب أو نحوهما لمزيد برد ومخافة ضرر فقد سوغ الله سبحانه في كتابه العزيز للضرورة أكل الميتة ونحوها فقال: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ}[البقرة: ١٧٣] ، وقال:{إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام: ١١٩] .
قوله:"أو فراش".
أقول: هذا دفع للسنة الصحيحة المتفق عليها من نهيه صلى الله عليه وسلم من افتراش الحرير والجلوس عليه فهذه السنة هادمة لكل رأي مخالف لها مبطلة لكل علة تنصب في مقابلتها، وقد أخرج الجماعة من حديث أنس أن النبي صلي الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في لبس الحرير لحكة كانت بهما ولفظ الترمذي "١٧٢٢"، أن ذلك كان في غزاة لهما وهكذا في صحيح مسلم "٢٦/٢٠٧٦"، فأفاد الحديث جواز التداوي بذلك وقد أوضحت ذلك في شرحي للمنتقي.
وأما قوله:"أو جبر سن أو أنف" فقد وقع الإذن منه صلى الله عليه وسلم باتخاذ أنف من ذهب أنفه في بعض الحروب وهو حديث حسن وجبر السن كجبر الأنف.
قوله:"أو حلية سيف أو طوق درع أو نحوهما".
أقول: إن كانت هذه الحلية لمثل هذه الآلات السلاحية من الفضة فقد قدمنا أن الأدلة دلت على جواز التحلي بها حتى قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالفضة فالعبوا بها كيف شئتم"، وأما التحلي بالذهب فقد دلت الأدلة على المنع من قليله وكثيره فمن زعم أنه يجوز التحلي بشيء منه من سيف أو درع أو نحوهما فالدليل عليه فإن نهض به وإلا كان الواجب البقاء على التحريم لأن أدلته ناقلة من الأصل الأول وهو الجواز.
قوله:"ومن خضب غير الشيب".
أقول: قد تقرر أن خضب اليدين والرجلين كان من صنيع النساء وكان من يتشبه بهن من الرجال يفعل ذلك كما هو معروف وقد ثبت النهي عن التشبه بالنساء والوعيد على ذلك ولم يرد في ذلك شيء أصلا وأما خضب الشيب فقد وردت به الأدلة الصحيحة وورد ما يدل على تأكيد مشروعيته كما في الصحيحين [البخاري "٣٤٦٢، ٥٨٩٩"، مسلم "٢١٠٣"، وغيرهما [أبو داود "٤٢٠٣"، النسائي "٨/١٣٧"، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم"، وأخرج أحمد "٥/١٤٧، ١٥٠"، وأهل السنن أبو داود " ٤٢٠٥"، الترمذي "١٧٥٣"، النسائي "٨/١٣٩"، ابن ماجة "٣٦٢٢"، وصححه الترمذي "٤/٢٣٢"، من حديث أبي ذر: