أقول: إذا كانت هذه الشدة في الحر والبرد قد بلغت إلى مبلغ يكون في تأثيرها مشابهة للمرض فهي نوع من المرض وإن لم تكن هكذا فلا وجه للإمهال فإن كثيرا من البلاد يتناوبها الشدتان شدة الحر وشدة البرد في جميع أيام السنة وأما الإمهال للمرض المرجو زواله فقد ثبت في صحيح مسلم وغيره قصة الأمة التي زنت فأمر عليا أن يجلدها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشي أن تموت إن جلدها فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتركها حتى تتماثل وقد تقدم.
وأما قوله:"وإلا فبعثكول تباشره كل ذيوله" فوجهه قول الله عز وجل لأيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاْضْرِبْ بِهِ} وقد فعل ذلك في زمن النبوة فأخرج الشافعي وأحمد "١٦/٩٩"، وأبو داود "٤٤٧٢"، وابن ماجة ٢٥٧٤"، والبيهقي من حديث أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد بن عبادة قال كان بين أبياتنا رويجل ضعيف مخدج فلم يرع الحي إلا وهو على أمة من إمائهم يخبث بها فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك الرجل مسلما فقال: "اضربوه حده"، فقالوا يا رسول الله إنه أضعف مما تحسب لو ضربناه مائة قتلناه فقال: "خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه به ضربة واحدة"، ففعلوا وهو مرسل وقد رواه أبو أمامة بن سهل عن جماعة من الصحابة ولم يكن في هذا الحديث ما يدل على اشتراط مباشرة كل ذيل من ذيول العثكول فيكفي مطلق الضرب خروجا من واجب الحد ورفقا بالمحدود المبتلي بالمرض.
وأما قوله إن احتمله فوجهه ظاهر لأنه إذا لم يحتمله كان ذلك عذرا في ترك الحد فإن عاش أقيم عليه.
قوله: "وأشدها التعزير" الخ.
أقول: الحدود على اختلاف أنواعها قد شرع الله فيها ما شرعه من جلد ورجم وقطع وقتل فينبغي أن يكون على الصفة الواردة من غير مخالفة فدعوى أن بعضها أشد من بعض لا دليل عليها ولا ورد ما يرشد إليها.
قوله: "ولا تغريبت".
أقول: هذا رد للسنة الصحيحة الثابتة في الصحيحين [البخاري "٢٦٩٥، ٢٦٩٦، ٦٨٢٧، ٦٨٢٨، ٧١٩٣، ٧١٩٤، ٧٢٧٨، ٧٢٧٩"، مسلم "٢٥/١٦٩٧، ١٦٩٨"] ، [أبو داود "٤٤٤٥"، النسائي "٨/٢٤٠، ٢٤١"، الترمذي "١٤٣٣"، ابن ماجة "٢٥٤٩"، أحمد ٤/١١٥، ١١٦"] ، وغيرهما من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد في قصة العسيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام"، وبهذا عمل الخلفاء الراشدون فالعجب من التمسك في مقابل هذا الدليل الذي هو كشمس النهار وكالجبال الراسية بقولهم إن التغريب لم يذكر في آية الجلد فيا لله العجب فإنه إذا لم يذكر فيها فقد ذكره من بعثه الله سبحانه ليبين للناس ما نزل إليهم ومثل هذا الاستدلال الفاسد استدلال من استدل بأنه لم يذكر في حديث جلد الإماء ونحوه.