للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما اشتراط أن يكون الشارب للمسكر عالما غير مضطر ولا مكره فهو أظهر من أن يحتاج إلى التنصيص عليه.

قوله: "وإن قل".

أقول: قد تقرر بالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد من شرب الخمر وأمر بجلده ولم يسأل عن القدر الذي شربه ولا سأل عن بلوغه بالشرب إلى حد السكر فكان هذا بمجرده دليلا على أن مطلق الشرب موجب للحد ثم قد صح عنه صلى الله عليه وسلم في غير حديث أنه قال: "ما أسكر كثيره فقليله حرام" [أحمد "٣/٣٤٣"، أبو داود "٣٦٨١"، الترمذي "١٨٦٥"، ابن ماجة "٣٣٩٣"] ، وهذا الدليل يلحق القليل بالكثير والقطرة الواحدة بالأرطال ثم ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل مسكر خمر وكل خمر حرام"، وفي لفظ: "كل مسكر خمر وكل مسكر حرام"، [مسلم "٢٠٠٣"] ، فحكم صلى الله عليه وسلم في هذا باتحاد المسكرات وأنها كلها خمر فوجب الحد على شرب كل مسكر وقد أوضحت الكلام على هذا البحث في شرح المنتقى وأفردته برسالة مستقلة سميتها القول المسفر في تحريم كل مسكر ومفتر.

فإن قال قائل: هل العلة في حد السكر هي التحريم أو كون المشروب مسكرا فأقول كما قال الشاعر:

خذا بطن هرشى أوقفاها فإنه ... كلا جانبي هرشى لهن طريق

فإن تعليل الحد بالسكر يعم أنواع المسكرات وتعليله بالتحريم يعم أنواع المحرمات من المسكرات وقد ألحق الشارع قليلها بكثيرها فلا يعتبر وقوع السكر بالفعل بل بشرب ما هو من جنس المسكرات أو أكله.

قوله: "بعد الصحو".

أقول: وجه هذا أن أصل مشروعية الحد لإذاقة مرتكب موجب الحد وبال أمره ومعلوم أنه لا يذوق ذلك إلا صاحيا صحيح العقل سليم الحواس وأن وقوع الضرب عليه حال سكره لا يجد له من التألم ما يجده صاحيا لكنه لما ثبت ثبوتا لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإقامة الحد على من وصلوا به إليه وقد شرب ومن الجائز أن يكون في تلك الحال باقيا على سكره ومن الجائز أن يكون قد صحا كان ترك الاستفصال دليلا على أن يقام عليه الحد على الحالة التي وفد عليها وأنه لا يجب انتظار حالة الصحو.

قوله: "وتكفي شهادة على الشم والقيء ولو كل فرد على فرد".

أقول: وجه هذا أنه لا تفوح رائحة الخمر من جوف رجل إلا وقد شرب الخمر ولا يتقيأ الخمر رجل إلا وقد شربها هذا معلوم عقلا وكانت الشهادة على هذين الأمرين كالشهادة على الشرب ولكن لا بد أن يكون من يشهد على الشم والقيء ممن له خبرة متقنة برائحة الخمر

<<  <   >  >>