من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم والأنصار على ربعتهم يتعاقلون, الحديث.
فهذه الأحاديث وما ورد في معناها قد دلت على ثبوت العقل في الجملة ولا يعارضها مثل قوله تعالى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤ [، وقوله صلى الله عليه وسلم:"لا يجني جان إلا على نفسه"، [أحمد "٣/٤٩٨، ٤٩٩"، الترمذي "٣٠٨٧"، ابن ماجة "٢٦٦٩، ٣٠٥٥"] ، وما ورد في معنى ذلك لأنها عمومات مخصصة بأحاديث العقل وليس في هذه الأحاديث التي ذكرناها ما يدل على أن الجنايات التي أثبت الشرع فيها العقل هي جنايات الخطأ بل في هذه الأحاديث ما يشعر بالعمد كما تراه ولكنه أخرج الدارقطني والبيهقي عن عمر أنه قال العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة قال ابن حجر وهو منقطع وفي إسناده عبد الملك بن حسين وهو ضعيف قال البيهقي والمحفوظ أنه عن عامر الشعبي من قوله ولا يخفاك أن مثل هذا لا يصلح لتقييد تلك الأحاديث المطلقة على تقدير أنه صحيح فكيف يصلح لذلك مع ضعفه وقد أخرج أحمد عن ابن عباس لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك وأخرجه أيضا البيهقي وهذا أيضا قول صحابي لا يصلح لتقييد ما أطلقته السنة وأخرج مالك في الموطأ عن الزهري أنه قال قضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من دية العمد وأخرج معناه البيهقي عن أبي الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة فإن أراد بهذه السنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مخالف لما تقدم في الأحاديث السابقة ولو سلمنا عدم مخالفته لها لاحتمل أن يريدوا سنة الصحابة أو الخلفاء أو عمل أهل المدينة أو نحو ذلك ولا حجة في شيء من ذلك.
وأما ما أخرجه الدارقطني والطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئا" ففي إسناده الكذاب المشهور المصلوب في الزندقة محمد بن سعيد وفي إسناده أيضا الحارث بن نبهان وهو منكر الحديث وبهذا تعرف أنه لم يكن في الباب ما يصلح لتقييد ما أطلقته السنة.
فإن قلت: قد أخرج أحمد "١٦/٦٠"، وأبو داود "٤٥٩٠"،والنسائي "٨/٢٦"، وابن ماجه بإسناد صحيح من حديث عمران بن حصين أن غلاما لأناس فقراء قطع اذن غلام لأناس أغنياء فأتى أهله إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله إنا أناس فقراء فلم يجعل عليه شيئا قلت: ليس فيه إلا إسقاط ضمان جناية الجاني إذا كانت عاقلته فقراء فيخص بهذه الصورة وظاهر قوله إن غلاما لأناس فقراء أنه كان عبدا ويحتمل أن يكون حرا فقيرا كما كان أهله فقراء.
قوله:"الأقرب فالأقرب المكلف الذكر الحر من عصبته".
أقول: إخراج الولد من هذا العموم لما تقدم من: أن النبي صلى الله عليه وسلم برأ الزوج والولد، ويشكل على تقييد من يعقل بكونه عصبة ما أخرجه أحمد وابو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه وحسنه أبو زرعة من حديث المقدام بن معد يكرب أنه صلى الله عليه وسلم قال:"أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه"، وله شواهد.