وأما تقدير ما يلزم العاقلة بدون عشرة دراهم فلا وجه له من رواية ولا دراية فالأولى الرجوع إلى ما في الأحاديث من إطلاق العقل فتغرم العاقلة الدية وتحصص بينهم وإن بلغ نصيب الواحد ألف درهم.
وأما قوله:"ولو فقيرا" فقد قدمنا حديث عمران بن حصين وهو نص في محل النزاع فلا وجه لإلزام من كان فقيرا من العاقلة ولا يقال إنه ينظر إلى ميسرة كسائر ما يلزمه من الديون لأنا نقول هذا أخص من ذاك فإنه صلى الله عليه وسلم لم يجعل على الجاني شيئا حتى تضمنه العاقلة وتحمله عنه والعلة في ذلك فقرهم فكان الفقر مسقطا.
قوله:"ثم في ماله".
أقول: الأدلة قد دلت على أن هذه الدية على العاقلة كما دلت الأحاديث الكثيرة على أن الدية على القاتل فإن جعلنا العقل خاصا بالخطأ فلا معارضة بين الأحاديث وإن جعلناه على العموم فلا بد من الجمع بينها بوجه مقبول وهذا الذي ذكره المصنف من جملة ما يصلح للجمع لأنه يقتضي حمل أحاديث ضمان العاقلة على الإمكان فإن كانوا لا وجود لهم كانت الدية من مال القاتل رجوعا إلى الأصل لئلا يهدر دم امرئ مسلم وأما إذا كانوا فقراء فقد تقدم الدليل على أنهم لا يضمنون وهكذا إذا لم تف أموالهم بالعقل.
قوله:"ثم في بيت المال".
أقول: يدل على هذا ما ثبت في الصحيح [البخاري "١٢/٩"] ، من قوله صلى الله عليه وسلم:"أنا أولى بكل مسلم فمن ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا أو ضياعا فإلي وعلي"، ويدل عليه أيضا حديث المقدام بن معد يكرب المتقدم قريبا والدية هي دين ثابت في ذمة الجاني فإذا كان فقيرا كانت من بيت المال كما يكون قضاء دينه من بيت المال وسيأتي في القسامة إن شاء الله أنه صلى الله عليه وسلم أعان من وجبت عليه بتسليم الدية من بيت المال.
وأما قوله:"ثم المسلمون" فلا وجه له من دراية ولا رواية وأموال المسلمين تحت العصمة الشرعية فلا يحل شيء منها إلا بناقل صحيح عن تلك العصمة.
وأما قوله:"ولا شيء عليه إن كفت العاقلة" فوجهه ظاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب ذلك عليها.
وأما كونها تبرأ ببراءته قبل الحكم عليها فوجه ذلك أن أصل الوجوب عليه.
وأما قوله:"لا العكس" فلا وجه له بل يبرأ ببراءة العاقلة كما برئت هي ببراءته.
قوله:"ويعقل عن ابن العبد وابن الزنا عاقلة أمه".
أقول: الأولى أن يعقل عن ابن العبد موالي أبيه وقد عرفت أنه لم يرد ما يقيد أحاديث العقل المطلقة وأما ابن الزنا فلا قرابة له إلا من جهة أمه وقد تقدم أن الخال يعقل عمن لا وارث له سواه وهو من عصبة الأم وأرحام ابنها.