رجل قال لرجل: إن فلان قدم فعبدي حر، فقال له قد قدم ولم يكن قد قدم عتق عبده، لأنه جعل شرط حنثه الإخبار والإخبار قد يكون كذبا لأن الإخبار موضوع لنفس الإنباء ويحتمل الصدق والكذب معا، قال الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ﴾ ألا ترى أنه قال: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ وقال: ﴿بِجَهالَةٍ﴾ فلو كان للصدق لم يقل ذاك. ولو قال إن أخبرتنى بقدوم فلان لا يعتق ما لم يقدم فلان لأن الباء للإلصاق وإذا تلتصق لا تدخله الباء الزائدة. لأنك تقول ضربته بالحجر فما لم يقع الحجر في المضروب لا يسمى ضربا، بل حذفا أو رميا. لأنك تقول رماه فضربه، ورماه فأخطأه قال امرؤ القيس:
وتعدو كعدو نجاة الظبا … ء أخطأها الحاذف المقتدر
سماه حاذفا مع الخطأ، فأما إلحاق الباء فلا يكون إلا للتحقيق قال الله تعالى:
﴿فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ ألا ترى أنه لما أدخل الباء أراد التحقيق والخبر متى كان موصولا بحرف التحقيق يقع على الصدق دون الكذب، ومتى لم يدخله حرف التحقيق يقع على الصدق والكذب جميعا. ولو قال إن أعلمتنى لا يقع العتق إلا أن يكون قد قدم لأن العلم لرفع الجهل. والكذب لا يرفع الجهل. فصار ضد العلم والعلم مشتق من العلم وهو الجبل قالت الخنساء:
وإن صخرا لتأتم الهداة به … كأنه علم في رأسه نار
فوصفته بالعلمية، ثم قالت: في رأسه نار لزيادة التأكيد. ومن هنا قال النحاة اسم علم جعلوه بحيث توضع اليد عليه لمعرفته.
وقيل إنه عبر على النبي ﷺ رجل فقال:«فيكم من يعرفه؟» فقال رجل أنا فقال: «ما اسمه» فقال لا أعرفه. فقال النبي ﷺ:
«فإنك لا تعرفه»
وذلك لأن الاسم العلم عندهم يعرف به الشخص مع الغيبة ويلحق الغائب بالحاضر فلذلك سمى علما. ومنه العلم أيضا وهي الرواية وسميت راية لرؤية الناس لها عن بعد، وسميت علما لعلم الناس بها أنها لبنى فلان دون بنى فلان وإن لم يرو الأشخاص ولو قدم فلان وعلم به الحالف ثم أعلمه المحلوف له لا يعتق عبده لأنه أراد الإعلام من جهته، وكذلك البشارة ولأن البشارة مشتقة من البشر والبشر مشتق من البشرة وهو ما على الجلد لأن المبشر أولا إذا بشر الرجل بما بشره ظهر من وجهه دم يعرف منه الفرح، وذلك لأن القلب إذا صادفه ما يسره تنتصب منه عروق