أنهم لا يغيرون كلامهم إلا وهم يحاولون بذلك وجها لعلمه بأن إن مؤكدة لما كانت داخلة على مبتدإ وخبر وفيه معنى لا يحتاج إلى دخولها ألا ترى إلى قولهم زيد منطق أنه كلام تام مبتدأ وخبره. وإنما أدخلوا إن لتؤكد هذا المعنى الذي في المبتدأ والخبر من غير إخلال. ولما كانت إن جامدة جمود الاسم كان عملها فيه- أعنى النصب- بخلاف كان. لأنها منصرفة تقول: كأن يكون كونا فلما دخلت على الماضي والمستقبل والحال أشبهت الأفعال. فكان عملها فيها تقول: كان زيد منطلقا. ترفع الاسم وتنصب الخبر بخلاف إن. فإذا كانت إن مزادة للتأكيد لم تغير إن عن عملها في التثنية. كيف تغيرها الباء الزائدة مع أنها تحذف ولا تعمل. وكونها زائدة يكفى فيما ذكرت.
وأما كلام أبى حنيفة ﵁ في العربية غير مخفي وهو ما حكى عنه محمد ابن الحسن ﵁ وسأذكر بعض ذلك لتقف عليه إن شاء الله تعالى.
[مسألة]
رجل قال لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار. لا تطلق حتى تدخل الدار ولو فتح «أن» طلقت للوقت. والفرق بينهما أنه إذا كسر إن كانت للشرط وإذا فتحها كانت بتقدير اللام. فكأنه قال لدخولك الدار. فلم يصر هذا الكلام من صفة الطلاق ولا من الشرط. فصار كأنه قال مبتدأ: أنت طالق. فطلقت في الوقت. قال سيبويه في باب من أبواب أن التي تكون والفعل بمنزلة مصدر تقول: أن تأتنى خير لك كأنك قلت الإتيان خير لك. ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة ١٨٤] يعنى الصوم خير لكم. قال عبد الرحمن بن حسان:
إنّي رأيت من المكارم حسبكم … أن تلبسوا خز الثياب وتشبعوا
كأنه قال: رأيت حسبكم لبث الثياب.
واعلم أن اللام ونحوها من حروف الجر قد تحذف من أن، كما حذفت من إن، جعلوها بمنزلة المصدر حين قلت فعلت ذاك حذر الشر، أى لحذر الشر.
ويكون مجرورا على التفسير الآخر. يعنى حين قدرها باللام التي تجر. ومثل ذلك قولك: إنما انقطع إليك أن تكرمه أى لأن تكرمه قال الله تعالى: