أخبرنا أبو بكر البرقاني إلى عبد الصمد عن أبيه قال:
ذكر لأبى حنيفة قول النبي ﷺ«أفطر الحاجم والمحجوم» فقال هذا سجع.
وهذا مثل قول الله ﷿: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ﴾ والثاني لا يكون متعديا بل مستوفيا. ثم هذا الحديث منسوخ بقول النبي ﷺ«الفطر مما دخل، والوضوء مما خرج» والحاجم والمحجوم لم يدخل إلى بطنيهما شيء فيفطرهما. قال: وذكر له قول من قول عمر- أو قضاء من قضاء عمر- فقال: هذا قول شيطان. فهذا مثل ما ذكرت من خبر أشعب، الواحد أنسيه هو، والآخر أنسيه الخطيب.
وكذلك ما رواه عن ابن رزق إلى عبد الوارث، وقال أخبرنا محمد بن عبد الملك القرشي إلى إسحاق قال سمعت يحيى بن آدم ذكر لأبى حنيفة هذا الحديث أن النبي ﷺ قال:«الوضوء نصف الإيمان» قال لتتوضأ مرتين حتى تستكمل الإيمان. قال إسحاق وقال يحيى بن آدم الوضوء نصف الإيمان- يعنى نصف الصلاة- لأن الله تعالى سمى الصلاة إيمانا فقال: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ أى صلاتكم. قال النبي ﷺ«لا تقبل صلاة إلا بطهور» فالطهور نصف الإيمان على هذا المعنى إذا كانت الصلاة لا تتم إلا به. ومثل هذا لم ينقل عن أحد من الأئمة المعروفين وكيف ينبغي أن يقال في قوله تعالى: ﴿وَمَا كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ ويعنى بها الصلاة لأنه يقول في أثناء الآية ﴿أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ﴾ وليس الهداية الصلاة وحدها وإنما الهداية إلى جميع الدين والصلاة فرع من فروعه. فقد قال النبي ﷺ:«لا يكمل إيمان المؤمن حتى يريد لأخيه المؤمن ما يريد لنفسه».
أفكان يعنى بهذا الصلاة وحدها؟ وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ فيحمل هذا الخطاب على من هو في الصلاة لا من هو خارج عنها، ومثل هذا كثير.
وإنما [لا] يتبين المختلف فيه إلا على العلماء، أما مثل هذا فلا.
وقد نقل عن يحيى أيضا أنه ذكر لأبى حنيفة قول من قال لا أدرى نصف العلم. قال: فليقل مرتين لا أدرى حتى يستكمل العلم. قال يحيى وتفسير قوله لا أدرى نصف العلم، لأن العلم إنما هو أدرى ولا أدرى، فأحدهما نصف الآخر. فانظر ما أحسن هذا الكلام أترى أيش يقال فيمن لا يعرف هذا الكلام؟ حتى أنه يجعل قول من قال حجة حتى يرد به على أبى حنيفة. والعلم إنما هو إثبات حكم أو نسخ حكم.