﴿رَسُولًا فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ ألا ترى أنه ذلك الرسول الأول. وإنما لما كان تقدم أمره وجرى ذكره ثانيا وقعت الدلالة أن الألف واللام تكون للسابق المعهود، أو للجنس والجنس يقتضى الواحد فصاعدا. قال الله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما﴾ وذلك أنه لم يرد سارقا بعينه فكأنه قال: اقطعوا هذا الجنس والأصل فيما ذكرت أن اسم الجنس لا يقتضى عددا محصورا بل الواحد فصاعدا واسم الجمع يقتضى عددا محصورا. كما قال في رجل قال: امرأته طالق أن تزوج نساء أو اشترى عبيدا. فإن لم يتزوج ثلاثا أو يشترى ثلاثا لا تطلق لأنه أخرج الكلام مخرج الجمع. أو قل الجمع الصحيح ثلاثة. وذلك أن العرب فرقت بين الواحد والاثنتين والثلاثة. فالواحد جاء عددا وصفة. أما الواحد العدد كما تقول واحد اثنان.
وأما الصفة فكما تقول جاء زيد وحده. وأما الاثنان فعدد له صيغة يتميز بها عن الآحاد والمجموع. فإذا أرادوا أن يصفوهما قالوا جاء الرجلان كلاهما قال الشاعر:
يا رب حىّ الزائرين كليهما … وحىّ دليلا بالفلاة هداهما
ألا ترى أنه لما وصف الزائرين وهما مفعولان قال كليهما فنصب كما نصب الزائرين، وأما فجعلوهم صيغة واحدة لأن أكثر العدد لا يتناهى. فلو جاءوا يعلمون لكل عدد صيغة لطال عليهم، فوحدوا وثنوا وجمعوا. أما التوحيد فكما علمت للفرد. وأما التثنية فلأنه أضاف واحدا إلى واحد وكذلك الجمع. فإنه أضاف واحدا إلى واحد وأما من قال أن التثنية جمع فهو على ما ذكرت من أنه جمع واحد. فهو على الحقيقة جمع بالنسبة إلى الفرد. وعلى هذا جاء قوله تعالى: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ﴾ وإجماع الناس على أنه إذا كان له أخوان كان لأمه السدس. وقد جاءت التثنية بلفظ الجمع وليس ذلك إلا نظرا للجمع على الحقيقة إذ كان ذلك جمع واحد إلى واحد فعلى هذا ساغ أن تكون التثنية جمعا. قال الله تعالى: ﴿هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ إِذْ دَخَلُوا عَلَى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلَى بَعْضٍ﴾ قال الله تعالى تسوروا ودخلوا، وهذا لا يكون إلا على الجمع لأنه بين بعد ذلك وقال خصمان قال الخليل: فهذا على إن الاثنين عندهم جمع أيضا وصار بمنزلة قول الاثنين نحن فعلنا. قال الشاعر: