الناس عقله. ثم قوله تحمل شرّا كثيرا إن كان أراد ما قلت فهو كذلك وإن أراد أنه فقه كلام كثير وجدل كثير فهذا عليه جميع الفقهاء. وكل فقه لا يكون كذلك فليس بشيء. والخطيب فلكونه لم يكن من الفقهاء ولا عرف الفقه ظن أنه يعيب أبا حنيفة بهذا.
وروى عن ابن الفضل إلى مزاحم بن زفر قال قلت لأبى حنيفة: يا أبا حنيفة هذا الذي تفنى والذي وضعت في كتابك هو الحق الذي لا شك فيه؟ فقال: والله ما أدرى لعله الباطل الذي لا شك فيه. فهذا كما ذكر والمجتهد لا يعلم يقينا أنه على الحق ولو علم ذلك يقينا لتنزل منزلة النبي ﷺ وهذا عليه إجماع الأمة أن المجتهد يخطئ ويصيب وإلى هذا
أشار النبي ﷺ بقوله:«إذا اجتهد الحاكم فأصاب كان له أجران، وإذا اجتهد وأخطأ كان له أجر»
فإذا كان النبي ﷺ بين هذا وإجماع الأمة عليه فمن جعله خطأ وعيبا، أتراه يكون مخطئا للفرع أو للأصل؟ وقد بينت لك من قبلأنه لم يكن غرض الخطيب إلا التشنيع والطعن على النبي ﷺ وإنما جعل أبا حنيفة ذريعة إلى ذلك. ولو كان أبو حنيفة قال هو الحق الذي لا شك فيه لكان مخطئا لا محالة فانظر إلى من لا يعرف الصواب من الخطأ ويعيب الأئمة.
وروى عن على بن القاسم عن أبى نعيم قال سمعت زفر يقول: كنا نختلف إلى أبى حنيفة ومعنا أبو يوسف ومحمد بن الحسن فكنا نكتب عنه، قال زفر فقال يوما أبو حنيفة لأبى يوسف: ويحك يا يعقوب لا تكتب كل ما تسمعه منى فإنى قد أرى الرأى اليوم فاتركه غدا، وأرى الرأى غدا وأتركه بعد غد. هذا قد تقدم الجواب عنه. وسيأتي في الخبر الذي بعده جواب أيضا.
وقد روى عن النبي ﷺ أنه قال «لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن: من كتب عنى شيئا فليمحه».
وروى عن الخلال إلى حماد بن أبى عمر قال قال أبو نعيم سمعت أبا حنيفة يقول لأبى يوسف: لا ترو عنى شيئا فانى والله ما أدرى أمخطئ أنا أم مصيب. هذا لم ينقل عن أبى حنيفة لكن نقل عنه ما هو قريب من هذا، وذلك أنه كان إذا بلغ أحد أصحابه رتبة الاجتهاد قال له: لا يحل لك بعد أن تأخذ عنى. فهذا يدل على دينه ووفور عقله وهذا لم يفعله أحد من العلماء قبل أبى حنيفة ولا بعده، والعلة في هذا أن المجتهد كما بيننا يخطئ ويصيب، والواجب على كل مسلم أن يجتهد فإن قدر على الاجتهاد مثل الفقهاء كان، وإن لم يقدر اجتهد فيمن يأخذ عنه. وهذا عليه إجماع