للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: قول أبي حنيفة: "إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء به من الله تعالى، وكان الداخل في الإسلام مؤمنا بريئا من الشرك ثم نزلت الفرائض بعد ذلك على أهل التصديق" ١.

جوابه من ثلاثة أوجهٍ:

١- أنه فرضت قبل فرض الصلاة والزكاة والصوم أعمال شرعية غير الشهادتين؛ كالصدق وإيفاء الوعد وتجنُّب الحرام كارتكاب الزنى وأكل مال اليتيم وغير ذلك.

٢- إن الشهادتين مقتضاهما العمل، والعمل هو ترك عبادة ما سوى الله وإفراده وحده بالعبادة لأنه الإله الحق المحبوب المطاع الذي يستحق أن يعبد وحده فلا يعصى، ويخصّ بنهاية الحب والخضوع والذل، وأما ما عداه مما عبده الناس فآلهة زائفة باطلة صنعتها الجهالة والأوهام فيجب البراءة منها، وممن عبدها من دون الله تعالى.

قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} "سورة الممتحنة: الآية٤".

وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} "سورة الزخرف: الآيتان ٢٦-٢٧".

فإخلاص العبادة لله تعالى والكفر بالطواغيت والبراءة منها وممن عبدها من أعظم الأعمال، بل هذا أعظم من الفرائض العملية الظاهرة، بل التصديق بدون هذا غير معتدٍّ به.


١ رسالة أبي حنيفة إلى عثمان البتي ص٣٥.

<<  <   >  >>