للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أن هذا القول خلاف مذهب السلف، لكنه إرجاء مقيد لا يصل إلى الإرجاء الخالص المطلق الذي يزعم أصحابه أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، فبرغم موافقته لهؤلاء في عدم إدخال الأعمال في مسمى الإيمان، لكنه يختلف معهم اختلافا جذريا؛ فهم يرون أنه لا تضر مع الإيمان معصية ١، وهو يرى أن مرتكب الذَّنب مستحق للعقاب، وأمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله في رده هذا المذهب الخبيث: "ولا نقول إن المؤمن لا تضره الذنوب، ولا نقول إنه لا يدخل النار ... ولا نقول إن حسناتنا مقبولة وسيئاتنا مغفورة كقول المرجئة" ٢.

فالمقصود أنه لا يجوز لنا أن نصف الإمام بالإرجاء المطلق الذي لا يقول به مسلم.

قال صاحب كتاب الإيمان بين السلف والمتكلمين: "وأبو حنيفة وإن خالف السلف بتأخيره العمل عن ركنيه في الإيمان، فإنه لم يدع برأيه هذا أرباب الشهوات لإشباع شهواتهم، وتحقيق رغباتهم باللعب بالمحظورات، وانتهاك أستار الشريعة الإسلامية الغراء، كما فعل المرجئة الذين رفعوا اللوم عن العصاة، وفتحوا لهم الطريق إلى هتك محارم الله دون خشية من عقاب الله تعالى، إذ أنّ الإنسان في حل مما يفعل، فلا تثريب عليه أبدا إذا هو اتصف بالإيمان، الذي هو عبارة عن التصديق عندهم فحسب.

وأبو حنيفة حاشاه أن يقول بهذا القول، أو يقف ذلك الموقف، فلا


١ الفقه الأكبر ص٣٠٤.
٢ انظر تاريخ بغداد ٦/١٠٩.

<<  <   >  >>