ولقد بين سلفنا الصالح بطلان ذلك العيد وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عند ذكره للنوع الثاني من أنواع الأعياد الزمانية وهو ما جرى فيه حادثة كما يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً كثامن عشر من ذي الحجة الذي خطب رسول الله فيه بغدير خم مرجعه من حجة الوداع، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه ووصى فيه باتباع كتابه ووصى فيه بأهل بيته فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي بعد أن فرش له وأقعده على فراش عالية، وذكروا كلاماً وعملاً قد علم بالاضطرار انه لم يكن في ذلك شيء، وزعموا أن الصحابة تمالوا على كتمان النص وغصبوا الوصي حقه وفسقوا وكفروا إلا نفراً قليلاً.
والعادة التي جبل الله عليها بني آدم، ثم ما كان القوم عليه من الأمانة والديانة وما أوجبته شريعتهم من بيان الحق يوجب العلم اليقيني بأن مثل هذا ممتنع.
وليس الغرض الكلام في مسألة الإمامة ١ وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيداً محدثاً لا أصل له، فلم يكن من السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم،
١ والأحاديث الواردة في الغدير لا تدل على أكثر من محبة على رضي الله عنه وموالاته لما عرف عن المنافقين بغضهم له؛ ولذا جاء في الحديث " لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ". انظر: صحيح مسلم، كتاب الإيمان (١/٨٦) ، حديث (١٣١) ، ولحديث الموالاة سبب وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا حين اشتكى إليه بعض صحابته جفوة على وغلظته فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن بريدة قال: غزوت مع علي فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت علياً فتنقصته فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تغير فقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه " رواه أحمد في مسنده (٥/٣٤٧) ، ومعلوم أن محبة آل البيت جزء من الإيمان لا يتم إيمان المرء إلا بها. وانظر: في بيان بطلان الاستدلال على الإمامة بأحاديث الغدير العواصم من القواصم لابن العربي (٢٠٠) ، ومنهاج السنة لابن تيمية (٣/١٥-١٦) = ومجموع الفتاوى (٤/٤١٨) ، والصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة لابن حجر الهيثمي (٦٤-٧٦) ، ومختصر التحفة الاثني عشرية للألوسي (١٥٩-١٦٢) .