للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الحديث الآخر: "فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم". يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل من قربكم من قبري وبعدكم منه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً ١.

ولكن من أخذ شبهاً من النصارى بالشرك وشبهاً من اليهود بالتحريف، حرف الأحاديث، فقال: هذا أمر بملازمة قبره والعكوف عنده، واعتياد قصده وانتيابه ونهى أن يجعل كالعيد الذي إنما يكون في العام مرة أو مرتين، فكأنه قال: لا تجعلوه بمنزلة العيد الذي يكون من الحول إلى الحول، واقصدوه كل ساعة وكل وقت.

وقد أجاب على ذلك الإمام ابن القيم بقوله: "وهذا مراغمة ومحادة لله ومناقضة لما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم، وقلب للحقائق، ونسبة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التدليس والتلبيس، بعد التناقص فقاتل الله أهل الباطل أني يؤفكون، ولا ريب أن من أمر الناس باعتياد أمر وملازمته، وكثرة انتيابه بقوله: "لا تجعلوه عيداً" فهو إلى التلبيس وضد البيان أقرب منه إلى الدلالة والبيان، فإن لم يكن هذا تنقيصاً فليس للتنقيص حقيقة فينا.

ولو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله هؤلاء الضلال لم ينه عن اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ويلعن فاعل ذلك، فإنه إذا لعن من اتخذها مساجد يعبد الله فيها، فكيف يأمر بملازمتها والعكوف عندها وأن يعتاد قصدها وانتيابها، ولا تجعل كالعيد الذي يجيء من الحول إلى الحول؟ وكيف يسأل ربه أن لا يجعل قبره وثناً


١ اقتضاء الصراط المستقيم (٢/٦٥٧) ، وانظر: إغاثة اللهفان لابن القيم (١/١٩٢) .

<<  <   >  >>