إنا لمن معشر أفنَى أوائلهم ... قيل الكماة ألا أين المحامون
جمع كمي وهو المستتر بسلاحه فلا يدري من أين يؤتَى، قيل: الكماة قول الشجعان، فالشاعر هنا يفخر بشجاعته وشجاعة قومه، وبسالتهم في الحروب، وأنهم يندفعون إلى حومة الوغى ولا يخافون العدو ولا يهابون الموت في سبيل الدفاع عن شرف القبيلة والذود عن الحمى، فالذي أفنى أوائل معشره إنما هو الله تعالى؛ بسبب إقدامهم وشجاعتهم في ميادين الحروب، وتلبيتهم دعوة الداعي كلما قال الشجعان: أين المحامون عن الأهل والعرض، فأسند الفعل "أفنى" إلى سببه قيل الكماة على سبيل المجاز العقلي لعلاقة السببية كما ترى.
ومن ذلك قولهم: سرتني رؤيتك؛ أي: سرني الله بسبب رؤيتك، وقولهم: محبتك جاءت بي إليك، وأصله: جئت إليك بسبب محبتك.
ومنه قول أبي نواس:
يزيدك وجهه حسنًا ... إذا ما زدته نظرًا
وحقيقة الإسناد في هذا البيت يزيدك الله حسنًا في وجهه بسبب ما أودعه فيه من دقائق الحسن والجمال.
وتأمل قول أبي الطيب في كافور الإخشيدي:
أبا المسك أرجو منك نصرًا على العِدا ... وآمل عِزًّا يخضب البيض بالدم
أبو المسك كنية لكافور الإخشيدي والبيض هي السيوف؛ وهو يتوجه إلى كافور بما يجيش في صدره من أماني، ويقول له: أرجو منك أن تنصرني على أعدائي،