الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
حديثي عن قسيم الخبر وهو الإنشاء.
وكنت قد وقفت بك -فيما سبق- على الأسلوب الخبري، وأحوال الإسناد الخبري، وأحوال أجزاء الجملة من مسند ومسند إليه، ومتعلقات الفعل. وعرفتَ ما يمتاز به هذا الأسلوب إنه مبني على الحكاية، ويقصد به الإخبار والإعلان بمضمون الجملة الخبرية. وبجانب هذا الأسلوب الخبري توجد الأساليب الإنشائية التي يقصد بها إنشاء الكلام وإيجاده ابتداءً.
فليس الهدف منها الإعلان وحكاية الخبر، وإنما هي عبارات تُصاغ ابتداءً وتنشأ إنشاءً؛ ليطلب بها مطلوبًا. وتمتاز الأساليب الإنشائية؛ للحث وإثارة الذهن وتمشيط العقل وتحريك المخاطب.
ولمزيد من الإيضاح، والتفرقة بين الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي، فانظر إلى هذه الشواهد يقول الغنوي في رثاء أخيه:
أخ كان يكفيني وكان يعينني ... على نائبات الدهر حين تنوب
عظيم رماد القدر رحب فناؤه ... إلى سند لم تحتجبه غيوم
السند: هو ما ارتفع عن الوادي وسفل عن الجبل. والغيم: هو البطن المنخفض من الأرض. وحليف الندى: أي: بينه وبين الندى، وهو: الكرم حلف وعهد. عندما تتأمل هذه الأبيات تجد أن الشاعر يحكي عن أخيه ويخبر بأنه كان يأخذ بيده في أوقات الشدة، وكان كريمًا تقصده الضيوف فلا يحتجب عنهم؛ لأن الكرم خُلقه وشيمته. فهما حليفان لا يفترق أحدهما عن الآخر، ولا يتخلف عن