الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ ثم أما بعد:
فنعيش في ظلال أحوال المسند إليه لنجيل النظر في أسرار تنكيره ووصفه بأحد التوابع من الوجهة البلاغية.
يؤتَى بالمسند إليه منكرًا؛ لإفادة أنه فرد غير معين من أفراد جنسه، أو لإفادة النوعية، فإذا قلت: جاءني رجل، صلح هذا القول بإرادة الإفراد؛ أي: جاءني رجل لا رجلان، وصلح لإرادة النوعية؛ أي: جاءني رجل لا امرأة، وهذه الإفادة إفادة أصلية للنكرة، وقد تتمحض النكرة في الدلالة على العدد وذلك إذا وصفت به كقولك مثلًا: جاءني رجل واحد ورجلان اثنان. من ذلك قول الله تعالى:{وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ}(النحل: ٥١).
وقد تتمحض لإفادة النوعية؛ أي: الجنس، كما في قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}(الأنعام: ٣٨) فقد محض الوصف في الأرض ويطير بجناحيه النكرتين "دابة وطائر" لإفادة الجنس.
ولتفصيل ذلك نقول:
إن المراد بالإفراد الدلالة على فرد منتشر شائع غير معين سواء أكانت النكرة بلفظ المفرد أم بلفظ الجمع، فإذا كانت بلفظ المفرد دلت على واحد، وإن كانت بلفظ المثنى دلت على مطلق اثنين، وإن كانت بلفظ الجمع دلت على مطلق جمع مثل: لقيني رجلان وتبعني رجال؛ فأنت ترى المسند إليه في الأحوال الثلاثة غير معين، سواء أكان واحدًا مثل: جاءني رجل أو اثنين أو جمعًا، وهو في الأمثلة الثلاثة يسمى عند البلاغيين فردًا بالنظر إلى مفهوم لفظ النكرة المعبر بها عن المسند إليه، وبهذا ندرك أن الإفراد ليس مقصورًا على الواحد كما يتبادر إلى الذهن، بل يشمل الواحد والاثنين والجماعة، فالمدار على عدم التعيين.