الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومَن والاه؛ وبعد:
فقد عشنا مع علاقات المجاز العقلي الذي يكون في الإسناد وبقي أن نتكلم عن قرينة المجاز العقلي.
الذي يتبادر إلى الذهن عند إلقاء الكلام هو إرادة الحقيقة، والذي يريد بكلامه المجاز لا بد أن ينصب قرينةً تدل على عدم إرادة الظاهر من الإسناد أو غيره؛ فالمجاز العقلي يحتاج إلى قرينة صارفة عن إرادة الإسناد الحقيقي، وبدون هذه القرينة يصبح الكلام إلغازًا وتعميةً، فلا يتضح المراد منه.
وهذه القرينة نوعان؛ قرينة لفظية، وقرينة معنوية:
أما القرينة اللفظية: فهي أن يكون في الكلام لفظ يصرفه عن ظاهره كما في قول السلطان العبدي ينصح ابنه عمرًا:
أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كَر الغداة ومر العشي
نروح ونغدو لحاجاتنا ... وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته ... وتبقي له حاجة ما بقي
ألم ترَ لقمان أوصى ابنه ... وأوصيت عمرًا ونعم الوصي
فمِلتنا أننا مسلمون ... على دين صديقنا والنبي
فقد أسند الفعلين أشاب وأفنى إلى كر الغداة ومر العشي، كما ترى في البيت الأول، ولكن لا مانع من إرادة الحقيقة لجواز أن يكون اعتقاده كذلك وإن خالف الواقع، فإذا وصلنا إلى البيت الأخير فإننا نجد القرينة التي تدل على مراد الشاعر وذلك في قوله: فمِلتنا أننا مسلمون، فقد أفصح عن دينه وأن ملته هي الإسلام؛