إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونسترضيه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا كما نعوذ به من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله؛ وبعد:
فإن الحديث عن أحوال المسند إليه يستوجب تناول تعريفه، ونكتفي بالتعرف على ما يكتنف تعريف المسند إليه بالضمير والعلم والإشارة:
وكما ذكرنا مرارًا وتكرارًا فإن المسند إليه يمثل المبتدأ في الجملة الاسمية والفاعل في الجملة الفعلية، والمسند إليه أيًّا ما كان الأمر محكوم عليه، فعندما أقول: محمد مجتهد، أكون قد حكمت بالاجتهاد على محمد، ومثلُ ذلك في الجملة الفعلية: يجتهد محمد، أكون أيضًا حكمت بالاجتهاد على محمد، فأيًّا ما كان الأمر فمحمد وهو المسند إليه هو المحكوم عليه في الجملتين.
والأصل في المحكوم عليه أن يكون معينًا، إذ الحكم على المجهول لا يفيد إفادة تامة وكمال التعيين بالتعريف؛ ولذا جعل البلاغيون الغرض العام لإيراد المسند إليه معرفًا بأي نوع من أنواع التعريف قصد المتكلم إفادة المخاطب الحكم إفادةً تامة ً، فإذا لم يقصد المتكلم هذه النكتة جِيء بالمسند إليه نكرةً، والمقام هو المقتضي قصد هذه النكتة أو عدم قصدها.
ومن هنا آثر النظم القرآني تنكير المسند إليه على تعريفه في قول الله تعالى مثلًا:{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى}(القصص: ٢٠) هذا هو الغرض العام بإيراد المسند إليه معرفة ً، ثم لكل نوع من أنواع التعريف بعد ذلك أسرار ونكات؛ لأن المعرفة -كما نعلم نحويًّا- أقسام ستة؛ الضمير، العلم، اسم الإشارة، اسم الموصول، المعرف بأل، المضاف إلى واحد من هذه الخمسة المذكورة.
ونعرض فيما يلي لأهم ما ذكره البلاغيون من أغراض وأسرار تعريف المسند إليه بالضمير، ثم بالعلم ثم باسم الإشارة، ولنبدأ تعريف المسند إليه بالإضمار.