يؤتى بالمسند إليه ضميرًا إذا كان الحديث في أحد المقامات الثلاثة التكلم أو الخطاب أو الغيبة، فإذا كان المتكلم متحدثًا عن نفسه كان المقام للتكلم، ينبغي أن يقول: أنا، كقول بشار بن برد:
أنا المرعث لا أخشى على أحد ... ذرت بي الشمس للقاصي وللداني
يصف نفسه بأنه مشهور ذائع الصيت، والمرعث: لقبه برعثة كانت له في صغره وهي القرط، يعلق في شحمة الأذن، وذرت الشمس؛ أي: طلعت كنايةً عن شهرته ووضوح أمره، ومثله قول المتنبي أيضًا:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي ... وأسمعت كلماتي مَن به صمم
وإذا كان المتكلم يخاطب مشاهدًا حاضرًا كان المقام للخطاب، فينبغي أن يقول: أنت مثل قول أمامة الخثعمية تخاطب ابن الدمينة -وقد سبق ذكره- وكان يتغزل بها:
وأنت الذي أخلفتني ما وعدتني ... وأشمت بي مَن كان فيك يلوم
تقول له: أنت الذي أخلفت ما وعدتني بالوفاء به، ونقضت ما عاهدتني عليه، وأشمت بي كل من كان يلومني ب حبك ويخطئني في الولع بك؛ لأنك لم تقم بما توجبه المحبة على المحب من الوفاء بعهد حبه.
وإذا كان المتكلم يتحدث عن غائب ورد له ذكر في الكلام على أي صورة من صور تقدم مرجع الضمير في الغيبة، كان المقام للغيبة، فينبغي أن يقول هو مثل قول أبي تمام في قصيدة يمدح بها المعتصم بالله:
بيمين أبي إسحاق طالت يد العلا ... وقامت قناة الدين واشتد كاهله
والبحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والجود ساحله