إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، كما نعوذ به من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فمع أضرب الخبر؛ ولعل أول إشارة إلى أضرب الخبر فيما بلغنا كانت على يد أبي العباس المبرد صاحب (الكامل) وقد سأله الكندي الفيلسوف: "إني أجد في كلام العرب حشوًا، يقولون: عبد الله قائم، وإن عبد الله قائم، وإن عبد الله لقائم، والمعنى واحد. فقال المبرد: لا، بل المعاني مختلفة، فعبد الله قائم، إخبار عن قيامه، وإن عبد الله قائم، جواب عن سؤال سائل، وإن عبد الله لقائم، جواب عن إنكار منكِر". وهذه القصة -كما هو ملاحظ- هي الأصل في حديث البلاغيين عن أضرب الخبر، فقد قسم البلاغيون الخبر بحسب حال المخاطب إلى ثلاثة أضرب؛ الأول: الابتدائي، وذلك إذا كان المخاطب خالي الذهن من الحكم الذي يتضمنه الخبر، فيلقى إليه الكلام مجردًا من التأكيد باستغنائه عنه كقولك: أفلح المجتهد، وخاب الكسول؛ لأن الكلام يتمكن بسهولة إذا صادف ذهنًا خاليًا على حد قول القائل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبًا خاليًا فتمكنا
والثاني: الطلبي إذا كان المخاطب مترددًا في الحكم طالبًا له، فيؤكد بمؤكد واحد استحسانًا؛ ليزيل تردده، ويبين له الحقيقة، فيتمكن الخبر في نفسه كقولك لمن يشك في نجاح زيد: إن زيدًا ناجح، وكقولهم: إن البلاء موكل بالمنطق. ومن هذا النوع قوله تعالى في شأن ذي القرنين:{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}(الكهف: ٨٤) وذلك بعد السؤال عنه في الآية السابقة، فالمخاطب