إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونسترضيه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا كما نعوذ به من سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله؛ وبعد:
فقد توقفنا في درسنا الفائت على أن من أحوال الإسناد الخبري التجوز في الإسناد أو في النسبة وهو ما نسميه بالمجاز العقلي أو المجاز الحكمي وألمحنا إلى أن الإسناد لا يجري على وتيرة واحدة وإنما يتنوع وتتعدد طرقه فمنه ما هو حقيقة ومنه ما هو مجاز؛ لأن المتكلمين لا يلتزمون إسناد الأحداث والأفعال إلى ما هي له دائمًا وإنما يتوسعون ويتجوزون في الإسناد انطلاقًا مع الخيال واستجابة للحس وتأنقًا في أداء المعاني، ونفصل الحديث عن هذا الأمر، فأقول:
لما كان إسناد الكلمة إلى الكلمة أمرًا عقليًّا يحصل بقصد المتكلم دون واضع اللغة فقد قالوا: حقيقة عقلية ومجاز عقلي؛ لرجوع ذلك إلى تصرف العقل وإرادة المتكلم، ومن الواضح أنه لا دخل للغة في هذا التجوز؛ لأنها لم تحدد للفعل فاعلًَا معينًا بحيث إذا أسند إليه كان الإسناد حقيقة، وإذا أسند إلى غيره كان مجازًا، فالحقيقة والمجاز في الإسناد عقليان لا لُغويان، والمجاز قسيم الحقيقة؛ أي: مقابل لها، فالحديث عن المجاز العقلي يستدعي الحديث عن الحقيقة العقلية.
فما المراد إذن بكل منهما؟
عرف الخطيب القزويني الحقيقة العقلية تعريفًا قصر فيه الإسناد على الفعل وما في معناه فقال: الحقيقة العقلية هي إسناد الفعل أو ما في معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر. هذا موجود في كتاب (الإيضاح) ويحتاج هذا التعريف إلى شرح؛ فما في معنى الفعل كالمصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل، وقوله: إلى ما هو له يعني: أن يسند