إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونسترضيه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا كما نعوذ به من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله؛ وبعد:
فيأتي البليغ بالمسند إليه مقدمًا لأغراض منها ما يلي:
أولها: كون التقديم هو الأصل ولا مقتضى للعدول عنه، وإنما كان الأصل في المسند إليه التقديم؛ لأن مدلوله الذات المحكوم عليها، والمسند هو الوصف المحكوم به، فهو مطلوب لأجل المسند إليه، ف تعقل الذات المحكوم عليها سابقٌ على تعقل الوصف المحكوم به ضرورةً؛ لأن الوصف إنما جاء لأجل الحكم به على الذات، وهذا وإن كان اعتبارًا نحويًّا لا ينافي أن يكون غرضًا بلاغيًّا إذا لم يعارض بغرض من أغراض التأخير مثل قولنا مثلًا: محمد حضر، ف قد قدم المسند إليه؛ لأن الأصل فيه هو التقديم؛ إذ هو المحكوم عليه بالحضور، فينبغي ذكرُه أولًا.
وإنما شرطوا في الجملة الاسمية عدم وجود نكتة أخرى تتطلب التأخير؛ لأن الأصالة وحدها نكتة ضعيفة لا تنهضه سببًا مرجحًا للتقديم مع وجود داعي التأخير، بحيث لو وجد لترجح التأخير على التقديم كما في الفاعل مثلًا، فإن الأصل فيه أن يقدم؛ لأنه الذات المحكوم عليها، غير أن الأصالة عارضها نكتة أخرى تقتضي تأخيرُه؛ وهي أن الفعل عامل في الفاعل الرفع، ومرتبة العامل التقدم على المعمول ورجح جانبه عليه أو لأن العامل علة في المعمول والعلة مقدمة على المعلول.
ويُقدَّم المسند إليه أيضًا بقصد إرادة تمكن الخبر في ذهن السامع؛ وذلك حيث يكون في المسند إليه ما يشوق إلى الخبر بأن يكون موصولًا أو موصوفًا بما يوجب