وعلى ما سبق ذكره فإن ضمير الغائب لا بد له من مرجع يعود عليه، وهذا المرجع يجب أن يتقدم على الضمير لفظًا تحقيقًا كما في قول الله تعالى:{فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ}(الأعراف: ٨٧) وكما في قول الشاعر:
من البيض الوجوه بني سنان ... ولو أنك تستضيء بهم أضاءوا
هم حلوا من الشرف المعلى ... ومن حسب العشيرة حيث شاءوا
وكنحو قولك: جاءني زيد وهو يضحك، أو تقديرًا بأن يتأخَّر المرجع عن الضمير في اللفظ، ولكن رتبته التقديم فيعد بذلك متقدمًا لفظًا وتقديرًا نحو: في داره زيد، ومن هذا القبيل قوله: نعم رجلًا زيد، على رأي مَن يجعل المخصوص بالمدح أو الذم في باب نعم وبئس مبتدأً، والجملة قبله خبرًا مقدمًا، فمرجع الضمير هنا على هذا الرأي هو المخصوص بالمدح وهو زيد، وقد تأخر لفظًا لكنه متقدم رتبةً؛ لكونه مبتدأ ً.
وهذه صورة من صور تقدم مرجع ضمير الغيبة.
وهناك صورة ثانية تتمثل في أن يتقدم مرجع الضمير معنى بأن يتقدم على الضمير لفظ من جنسه تدل عليه قرينة؛ فمثال ما دل عليه لفظ قوله تعالى:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}(المائدة: ٨) فالضمير هنا للعدل، وقد تقدم معناه في لفظ:{اعْدِلُوا} من ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ}(النور: ٢٨) فالضمير للرجوع وقد تقدم معناه في لفظ "ارجعوا ".
ومثال ما دلت عليه قرينة قوله تعالى:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}(النساء: ١١) فالضمير المستتر في الفعل: {تَرَكَ} وهو مسند إليه مرجعه المتوفى قد دلت عليه قرينة الحال، وذلك أن الكلام في الآية عن الميراث فالمرجع متقدم معنًى.