ومن أمثلة ما دلت عليه قرينة الحال قوله تعالى:{حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ}(ص: ٣٢) فإن قرينة ذكر العشي والتواري بالحجاب مع سياق الكلام الدال على فوات وقت الصلاة تدل على أن الضمير يرجع إلى الشمس، وقد يرد الضمير في الكلام ولا يتقدم له مرجع في اللفظ تحقيقًا ولا تقديرًا، ولا يتقدم له مرجع في المعنى، وحينئذٍ يقال: إن مرجعه متقدم حكمًا، ويتمثل هذا في مرجع ضمير الشأن والقصة وضمير رب، كذا قيل في التقدم الحكمي.
مثال ضمير الشأن قوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}(يوسف: ٩٠) ومثال ضمير القصة قوله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ}(الحج: ٤٦) ومثال ضمير رب قولك: ربه فتن ًا، فالمرجع في كل ذلك متأخر لفظًا متقدم حكمًا، ونكتة التأخير كما قالوا: البيان بعد الإبهام أو التفصيل بعد الإجمال.
هذا؛ وقد قيل: إن مقامات الإضمار هذه مباحث لغوية لا تعلق لها بالبلاغة، فإن مقام التكلم يوجب ضمير المتكلم، ومقام الخطاب يوجب ضمير الخطاب، ومقام الغيبة يوجب ضمير الغيبة، ومِثل هذا لا يتحدث عنه في البلاغة. ولرد ذلك نقول: إن التعبير بهذه الضمائر في مقاماتها وإن كانت لغوية، فهي لا تخلو من أسرار ومزايا بلاغية تكمن وراء هذه التعبيرات يدركها كل من يتأمل السياقات ويترسم الأساليب، كما نرى ذلك في ضمير المتكلم، حيث يشعر بالاعتداد بالنفس ولذلك يؤتى به غالبًا في مقام الفخر على ما مر بنا في قول عمرو بن كلثوم:
وقد علم القبائل من معد ... إذا قبب بأبطحها بنينا
بأنا العاصمون إذا أطعنا ... وأنا الغانمون إذا عُصينا