للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى الرغم من أن الدلالة على غير معين معنى أصلي للنكرة، فإن المقام قد يقتضيه من أجل ذلك ينكر المسند إليه إما لأن الغرض لم يتعلق بتعيينه، وإما لأن المتكلم لم يعلم جهة من جهات التعريف، فيلجأ في المقامين إلى تنكير المسند إليه قاصدًا بالحكم فردًا غير معين من الأفراد التي يسقط عليها مفهوم اللفظ. مثال الأول: قول الله تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} (القصص: ٢٠) فقد أتى بالمسند إليه: {رَجُلٌ} في الآية منكرًا للقصد فيه إلى رجل ما من أفراد مفهوم لفظ رجل؛ لأن الحكم بالمجيء لم يثبت لغير فرد واحد من هذا الجنس، فهو وإن أمكن تعيينه لكن ليس هناك غرض يتعلق بتعيينه ويقتضي تعريفه، بل الغرض أن يعلم موسى بائتمار القوم ليقتلوه، ولذا خرج خائفًا سائلًا ربه النجاة من القوم الظالمين، وهذا الغرض قد تحقق، ولا حاجة بعد ذلك إلى تعريف وتعيين من جاء بهذا النبأ وأسدى إليه النصح.

ونظير ما سبق ما جاء في قول الله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} (غافر: ٢٨).

والمثال الثاني قولك: قابلني في المسجد رجل وسأل عنك، تقول ذلك إذا لم تعرف اسمه ولا شيئًا يتعلق به، فالقصد فيه حينئذ إلى فرد ما من أفراد مفهوم لفظ رجل.

قد ينكر المسند إليه أيضًا لقصد النوعية؛ وذلك بأن يقصد المتكلم بالحكم نوعًا خاصًّا من أنواع الجنس غير ما يتعارفه الناس، فيعمد إلى تنكير المحكوم عليه؛ لأن النوعية معنى أصلي في النكرة، فإذا اقتضاها المقام صارت غرضًا يقتضي

<<  <   >  >>