فإنك تجد أن اختيار هذا الجزء من الإبل الأعناق قد أضفى على العبارة جمالًا وأبرز، وجلى ما يفيده المجاز العقلي من تخييل وتصوير الأباطح متحركة، تدفع بهذه المطي دفعًا وتسيل بها سيلانًا؛ وذلك ل أن حركة الإبل عندما تسرع في السير تظهر تمام الظهور في أعناقها، ويتضح لك هذا عندما تقارن بين قولك: وسالت بالمطي الأباطح وبين ما قاله كثير: وسالت بأعناق المطي الأباطح، وهكذا تجد المجاز العقلي في حاجة إلى تهيئة العبارة وتوخي النظم، وأن الشاعر أو المتكلم إنما يراعي هذا، ويتوخى في النظم ما يلائم المجاز، ويهيئ العبارة له، فإنه يقع في النفس موقعه، ويحقق ما يقصده الشاعر من الإيجاز والمبالغة والتخييل.
وفي استطاعتك أن تتبع هذا الأسلوب في صوره المختلفة وعلاقاته المتعددة، وتوازن بين حقيقة الإسناد ومجازه في كل منها؛ لتقف على أسرار بلاغة المجاز العقلي من خلال شواهده في القرآن ومأثور كلام العرب شعرًا ونثرًا.