ومن أسرار تقديم المسند ونكاته البلاغية: التنبيه من أول الأمر على أن المسند خبر لا نعت. كما في قول حسان بن ثابت -رضي الله عنه- في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
له هِمم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر
فإنه لو قال: همم له لا منتهى لكبارها؛ لتُوهم أن الجار والمجرور له نعت لا خبر؛ لأن النكرة تحتاج إلى الوصف حتى تكون مسوغًا للابتداء بها، ولتوهم أيضًا أن الخبر هو الجملة بعده، وهذا لا يتفق مع غرض المدح؛ لأن الشاعر يريد مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا مدح هممه. ومن ذلك: قول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}(البقرة: ٣٦). حيث قُدِّم الجار والمجرور:{لَكُمْ} على المسند إليه: {مُسْتَقَرٌّ}؛ لدفع توهم أنه نعت وليس بخبر.
ومن نكات تقديم المسند البلاغية: إفادة التشويق إلى ذكر المسند إليه. كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال))، وكقول محمد بن وهيب في مدح أبي إسحاق:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها ... شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
وقول الآخر:
ثلاثة يذهبن الغم والحزن ... الماء والخضرة والوجه الحسن