للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا نبعد إذا قلنا: أن الغرابة في بيت الجوهري في جواب الشرط بكيت تفكرًا، وأنه لغرابته لا يدل على مفعول المشيئة لو حذف؛ ولذا وجب ذكره حتى لا يضيع غرض الشاعر كما بينا.

قد يقصد بحذف المفعول تهيئة العبارة لوقوع الفعل على صريح لفظ المفعول؛ إظهارًا لكمال العناية بوقوعه عليه، انظر إلى قول البحتري يمدح المعتز:

قد طلبنا فلم نجد لك ... في السؤدد والمجد والمكارم مثلًا

يريد أن يقول: قد بحثنا لك عن شبيه في صفاتك العالية، فأجهدنا البحث، وأضنانا دون أن نعثر على هذا الشبيه، فأنت فردٌ في صفاتك لا نظير لك ولا مثيل. وتجد الشاعر قد حذف مفعول طلب؛ ليتسنى له أن يوقع نفي الوجود على صريح لفظ المثل؛ لأن نفي الوجود هو الأصل في المدح والغرض منه، أما الطلب فكالشيء يذكر ليبنَى عليه الغرض، ويؤكد به أمره. ولو قيل: قد طلبنا لك مثلًا في السؤدد والمجد والمكارم، فلم نجده لوقع الفعل طلب على صريح لفظ المفعول، والفعل المنفي الذي هو الغرض الأصلي للمديح فلم نجد على ضميره. وفرق بين أن يقع الفعل على صريح اللفظ، وأن يقع على ضميره.

من أجل هذا؛ حذف الشاعر مفعول طلب؛ لأن حذفه يمكنه من أن يوقع نفي الوجود على صريح لفظ المفعول، وشيء آخر تراه وراء حذف المفعول في البيت وهو: البيان والإيضاح بعد الإبهام، فحذف مفعول طلب قد جعل السامع يشغل به ويبحث عنه، فلما ذكر مع الفعل الثاني فلم نجد وقع في نفسه موقعًا حسنًا؛ لأنه جاء والنفس متطلعة إليه ومنشغلة به.

ومزية ثالثة تجدها وراء هذا الحذف وهي: مراعاة الأدب في مقام المدح، فالشاعر كان حذرًا ولطيفًا؛ إذ تحاشى أن يواجه الممدوح بأنه يطلب له نظيرًا، ويبحث عن

<<  <   >  >>