للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} (الأعراف: ٤٨) فإن جملة {قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ} بيانٌ لجملة {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ}. وانظر إلى قول لبيد:

ذهب الذين يُعاش في أكنافهم ... وبقيتَ في خلَف كجلد الأجرب

يتآكلون مغالة وخيانة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغبِ

تجد أن قوله: "يتآكلون مغالة وخيانة" بيانٌ لقوله: "بقيت في خَلَف كجلد الأجرب". وخذْ مثلًا قوله تعالى: {وإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} (البقرة: ٤٩) فإنك تجد أن جملة {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} والجملة المعطوفة عليها {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} بيان وإيضاح لجملة {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}؛ ولذا لم يُعطفا عليها بالواو لما بينهما من شدة ترابط وقوة تلاحم وكمال اتصال.

ثم انظر إلى قوله عز جل: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} (إبراهيم: ٦) تجد أن الواو في هذه الآية قد وَصلت جملتي {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} {وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} وذلك لأن المقام هنا مقام تذكير بنعم الله تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} وهذا يقتضي تعداد النعم، فجعل الإنجاء من سوء العذاب نعمة،، وإنجاء الأبناء من التذبيح نعمة أخرى، وكأن التذبيحَ جنسٌ آخر لأنه أوفى على جنس العذاب وزاد عليه،

<<  <   >  >>