للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموضع الخامس من مواضع الفصل بين الجمل: الفصل لعدم الاشتراك في القيد؛ أو كما عرّفه بعض البلاغيين بالتوسط بين الكمالين، مع وجود المانع من العطف، وهو عدم الاشتراك في الحكم، وقد استشهدوا لهذا بقول الله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} فقد فصل جملة {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} عن جملة {قَالُوا}؛ لأن قولهم مقيدٌ بوقت خلوهم إلى شياطينهم، أما استهزاء الله بهم فدائمٌ في كل آن، وليس مقيدًا بهذا الوقت؛ ولذا وجب الفصل لعدم الاشتراك في القيد. وأما فصل هذه الجملة {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} عن جملة {إِنَّا مَعَكُمْ} فلعدم قصد التشريك في الحكم الإعرابي كما مر بك في الجمل التي لها محل من الإعراب.

بقي أن أذكّرك بما نبهتك إليه: من أن الجمل التي لها محل من الإعراب، تخضع لما تخضع له الجمل التي لا محل لها من الإعراب، من مواضع الفصل المذكورة، ولننظر مثلًا في ذلك إلى قول الله تبارك وتعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (يوسف: ٣٠) تجد أن الجمل الثلاث {امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ} {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ} قد وقعت مقولًا لقول النسوة، فلها من الإعراب محل، وقد فُصل بينها لشبه كمال الاتصال؛ إذ أثارت الجملة الأولى سؤالًا فحواه: ما سبب تلك المراودة؟ فجاء التعليل: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا}، وكذا تضمنت الجملة الثانية سؤالًا تقديره: وما رأيكن؟ فأجيب بالجملة الثالثة: {إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، وارجع إلى ما سقناه من شواهد في مواضع الفصل المذكورة، ليتضح لك أن الجمل جميعها سواء في تلك المواضع، وأنك لا تستطيع قصر هذه المواضع على الجمل التي لها محل من الإعراب.

<<  <   >  >>