وإنما يعد التناسب فيما ذُكر من محسنات الوصف: ما لم يدع داعٍ إلى المخالفة، فلو دعا داعٍ إلى المخالفة كان الحسن في تلك المخالفة التي دعا إليها هذا الداعي واقتضاها المقام، انظر مثلًا إلى قوله عز وجل:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}(النساء: ١٤٢) فقد آثر التعبير بالمضارع {يُخَادِعُونَ}؛ ليفيد أن خداع المنافقين حادث متجدد وبالاسم {خَادِعُهُمْ}؛ ليفيد أن فعل الله ثابت ودائم في جميع الأحوال، وفي هذا زيادة في التنكيل والتعذيب، ومن ذلك قوله تعالى:{فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}(البقرة: ٨٧) يقول الزمخشري في بيان السر البلاغي للمخالفة في الآية: "فإن قلتَ: هلا قيل: وفريقًا قتلتم؟ قلتُ: هو على وجهين؛ أن تراد الحال الماضية؛ لأن الأمر فظيع، فأريد استحضاره في النفوس وتصويره في القلوب، وأن يُراد: وفريقًا تقتلونهم بعد؛ لأنكم تحومون حول قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- لولا أني أعصمه منكم". انتهى.