للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك قول الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (التوبة: ١٠٣) فالأمر بالصلاة هنا يومئ إلى الخبر، وأنه من جنس النفع والخير، فصار المقام مقام تردد، وسؤال عن السبب وراء هذا الأمر، وهل في الصلاة عليهم خير لهم؟ فقيل: {إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} هكذا بالتأكيد لدفع هذا التردد المفترض في المخاطبين. ويكثر مجيء الخبر مؤكدًا في كتاب الله تعالى بعد الأوامر والنواهي، كما رأيت في الآيات السابقة، وكما في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (الحج: ١) فبعد الأمر بتقوى الله تعالى تهيأت النفس وتطلعت لمعرفة السبب الخاص لهذا الأمر، وكأنها توقعت أن يكون الخبر من جنس العقاب، فجاء قوله تعالى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} بيانًا للسبب وراء الأمر بالتقوى. واقرأ إن شئت قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (الإسراء: ٣٢) وقوله تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (لقمان: ١٧).

فلعلك تلاحظ أن الخالي الذهن لم ينزل منزلة مطلق سائل، بل نزل منزلة سائل عن السبب الخاص الذي يلوح إليه الكلام السابق، وذلك يكون غالبًا بعد الأوامر والنواهي التي تلوح بأسبابها فتستشرف النفس لمعرفتها استشراف الطالب المتردد، ولذلك يحصل تأكيد الخبر وفاء بحق هذه الحال الاعتبارية. وسلوك هذه الطريقة شعبة من البلاغة فيها دقة وغموض، ومن المشهور في هذا الباب ما روي عن الأصمعي أنه قال: "كان أبو عمرو بن العلاء، وخلف الأحمر يأتيان بشارًا فيسلمان عليه بغاية الإعظام، ثم يقولان: يا أبا معاذ ما أحدثت؟

<<  <   >  >>