وتحدث الجاحظ أيضًا في (الحيوان) عن المجاز العقلي وقال: "وسمع الحسن رجلًا يقول: طلع سهيل، وضرب الليل. فكره ذلك وقال: إن سهيلًا لم يأت بحر ولا ببرد قط. ولهذا الكلام مجاز ومذهب، وقد كرهه الحسن كما ترى وكره مالك بن أنس أن يقول الرجل للغيم والسحابة: ما أخلقها للمطر. وهذا كلام مجازه قائم، وقد كرهه ابن أنس، كأنهم من خوفهم عليهم العود في شيء من أمر الجاهلية احتاطوا في أمورهم، فمنعوهم من الكلام الذي فيه أدنى تعلق". انتهى من كلام الجاحظ. فهنا نراه يشير إلى وجود أسلوب المجاز العقلي في اللغة وإلى قضية خلق الأفعال التي شغلت المسلمين في عصره، فالمعتزلة اعتقدوا أن العبد يخلق أفعاله الاختيارية، وأهل السنة يعتقدون أن الأفعال كلها مخلوقة لله.
وليس هذا موضع مناقشة تلك الأمور الاعتقادية، ولكن ينبغي أن تعلم أن قولك: قام زيد. ليس مجازًا عقليًّا، بل هو حقيقة وزيد فاعل للقيام بتأثير الله -عز وجل- فيه، وفرق بين الخلق بمعنى الإيجاد والتأثير وبين الخلق بمعنى القيام بالفعل بأمر الله. بمعنى أن العرب إنما وضعت قام لفِعل العبد الواقع بخلق الله تعالى فالقيام معنى قائم بزيد ووصف له، وله فيه كسب وتحصيل، وهذا يكفي ليكون الإسناد حقيقيًّا، فالإسناد الحقيقي إذن يدخل فيه ثلاثة أقسام.