للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كاللغة والأدب والأخلاق والهوى والدين. فمهيار عربي وأصله فارسي، وروسو فرنسي وأصله سويسري، والأمير فلان مصري وأصله تركي؛ لأن كلا من هؤلاء الثلاثة أصبح جزءًا من شعبه، ينطق بلسانه ويفكر بعقله ويشعر بقلبه.

فبأي شيء من هذا يتمارى أخواننا الجدليون وهم لو كشفوا في أنفسهم عن مصادر الفكر ومنابع الشعور ومواقع الإلهام لرأوا الروح العربية تشرق في قلوبهم دينًا وتسري في دمائهم أدبًا، وتجري على ألسنتهم لغة، وتفيض في عواطفهم كرامة ... ؟

لا نريد أن نحاجهم بما قرره العلماء المحدثون من أن المصرية الجاهلية تنزع بعرق إلى العربية الجاهلية، فإن هذا الحجاج ينقطع فيه النفس ولا ينقطع به الجدل.. وكفى بالواقع المشهود دليلًا وحجة. هذه مصر الحاضرة تقوم على ثلاثة عشرة قرنًا وثلثًا من التاريخ العربي نسخت ما قبلها كما تنسخ الشمس الضاحية سوابغ الظلال.. وذلك ماضي مصر الحي الذي يصبح في الدم، ويثور في الأعصاب، ويدفع بالحاضر إلى مستقبل ثابت الأس، شامخ الذرى، عزيز الدعائم.

أزهقوا إن استطعتم هذه الروح، وامحوا ولو بالفرض هذا الماضي، ثم انظروا ما يبقى في يد الزمان من مصر. هل يبقى غير أشلاء١ من بقايا السوط، وأنضاء٢ من ضحايا الجور، وأشباح طائفة ترتل "كتاب الأموات"، وجباه ضارعة تسجد للصخور وتعنو للعجماوات، وقبور ذهبية.


١ الأشلاء جمع شلو وهو العضو بعد البلى والتفرق.
٢ الأنضاء جمع نِضو وهو المهزول.

<<  <   >  >>